رفض العرب للاحتيال يُسقط الجنرال وقت

خسر النظام الأسدي، أقوى "جنرالاته" وهو "الجنرال وقت". اعتمد النظام الأسدي في كل مواجهاته مع الخارج العربي والدولي، على هذا "الجنرال" وربح في تغيير المعادلة معه. نجاحاته السابقة، في ظروف وتطوّرات معينة، رفعت لديه منسوب الثقة بقدراته إلى درجة الغرور وعمى الألوان. لم يدرك النظام الأسدي، أنّ الزمن تغيّر بعد انطلاق "الربيع العربي" والنجاحات التي حققها في تونس ومصر وليبيا.

تعامل اللجنة الوزارية العربية مع النظام الأسدي يؤكد خسارته للجنرال وقت. حدّدت اللجنة الوزارية العربية لمهمتها وللجواب السوري عليها خمسة عشر يوماً. يبدو أنّ النظام الأسدي، اعتقد بأنّ كل شيء قابل للتمديد. لم يدرك أنّ الخط الأحمر الذي رُسم له، لا يمكنه قطعه من دون مساءلة وإدانة. ربما أيضاً لم ينتبه هذا النظام إلى أنّ أبرز أعضاء اللجنة من "محوره". موقف هؤلاء حاسم لأنّه إذا لم يقتنعوا ولم يقبلوا كلامه أو تعهّداته فماذا عن باقي أعضاء جامعة الدول العربية الذين بالأصل لا يصدّقونه ولا يتقبّلون مناوراته. رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، رسم خريطة الحل المقبول عربياً وهو الحد الأدنى المقبول أوروبياً وأميركياً. البرنامج – الطريق يحدّد:
 
 سحب الآليات العسكرية من الشارع.
 وقف العنف وأعمال القتل.
بدء حوار مع مكوّنات المعارضة في القاهرة.
 يجب القيام بخطوات ملموسة وتنفيذها لتجنب عاصفة كبيرة.
الأهم، أنّ الشيخ حمد آل ثاني، كسر اللغة الديبلوماسية وكل البروتوكولات، وتكلم كما لم يتكلم مسؤول عربي ودولي من قبل. ربما ما نُقل من ردّ الوزير وليد المعلم بأنّه "لا يمكن سحب الجيش وآلياته من الشارع قبل الانتهاء من الإرهابيين"، قد استفزّه وأعضاء اللجنة الوزارية. الشيخ حمد كاشف الجميع مباشرة بأنّه "انتهى زمن اللفّ والدوران والاحتيال". اللعبة مكشوفة. المراهنة على جنرال الوقت فشلت هذه المرّة خصوصاً وأنّه "احتيال" غير مقبول.

ردّ الرئيس بشار الأسد، بـ"إحراق العالم" صرخة يأس وليست رسالة قوّة. العالم سمع كثيراً مثل هذه التهديدات. ربما موقع سوريا يغري بمثل هذه التهديدات. القول بأنّ "ثمن التدخّل أكبر بكثير من أن يتحمّله العالم". هذا العالم لم يعد يتحمّل سقوط عشرين قتيلاً سورياً يومياً إلى جانب عشرات الألوف من المعتقلين. إطلاق سراح هؤلاء أصبح مطلباً دولياً وليس للمعارضة السورية وحدها. التهديد بالسلفيين لإحراق المنطقة والعالم مكشوف. سوريا لن تتحوّل إلى أفغانستان. يعرف الجميع أنّ ثلاثة آلاف انتحاري مرّوا عبر سوريا إلى العراق، ليفجّروا أنفسهم وسط المدنيين وليس الجنود الأميركيين. لو كان يوجد سلفي انتحاري، لكان فجّر نفسه وسط مظاهرة مليونية مؤيّدة للنظام الأسدي. لم يعد يجدي التهديد بلعبة الروليت الروسية، خصوصاً وأنّ المواقف كلها تتغيّر. قبل أيام، ابتسم المعارض السوري المعتدل كما يوصف هيثم المناع ردّاً على القول بأنّ السلفيين يقتلون ويرهبون السوريين ويضعضعون الأمن بقوله: "عدد سكان قريتي ثلاثة آلاف اعتقل منهم خمسمائة، وأخي الطبيب أُعدم في الشارع من ضابط أمن نعرف اسمه ورتبته وتقول لي سلفيين".

العرب يتحوّلون رغم الفروقات في مواقفهم إلى جبهة واحدة لديها نقاط مشتركة تشكل الحد الأدنى للبدء بمسيرة حل سياسي على وزن الطائف اللبناني. مجرّد اقتراح القاهرة مكاناً لعقد اللقاء بين النظام الأسدي والمعارضة بأطيافها كلها وليس الهيئات والمنظمات التي نبتت أخيراً على يد النظام، يعني أنّ العرب يطرحون الرعاية العربية. بعد أكثر من عقدين على اتفاق الطائف، مطلوب لسوريا "اتفاق القاهرة". من الصعب تخيّل قبول النظام الأسدي بهذا الحل العربي، وهو الذي كان صانعاً للحلول خصوصاً في لبنان.

خلال الأيام القليلة المقبلة، ستصعِّد واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي عقوباتها ضدّ سوريا. البنك المركزي السوري قد يقع تحت بند العقوبات الاقتصادية. الشعب السوري قد يشعر بـ"الألم". مخاضات الحل صعبة لكن يجب تحمّلها خصوصاً وأنّ نتيجتها ولادة جديدة للحرية والديموقراطية. الصين بدأت تلين موقفها، لمست أنّ الفيتو الذي طرحته في الأمم المتحدة رفع منسوب آلة قمع النظام الأسدي بدلاً من تخفيفها. اعتراف الموفد الصيني إلى الشرق الأوسط وو سيكة "أن قمع المظاهرات لا يمكن أن يستمر" ومطالبته للنظام في دمشق "بوضع نهاية لهذا الوضع الخطير"، يؤكد أنّ لكل شيء حدوداً. حتى موسكو بدأت تنظر بالعينين بدلاً من عين واحدة. والنتيجة قريبة ومرتقبة. يبقى أن تشدّد النظام الأسدي سيوحّد العالم ضدّه. بعد فشل اللجنة الوزارية العربية لا يعود أمام العرب سوى التشدّد موحّدين.

خلال المفاوضات على قرار "النفط مقابل الغذاء"، ردّ طارق عزيز وزير الخارجية العراقي على بطرس غالي الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك بقوله: هذا خرق للسيادة. ردّ غالي: "ماذا، سيادة إيه مع الحظر في الجنوب والشمال العراقي". ثم اقترب منه قائلاً: "طارق تمسكن.. تسلم". طبعاً لم "يتمسكن" طارق عزيز لأنّه لم يكن يملك القرار. بقي الرئيس الراحل صدام حسين على موقفه حتى عندما كان الأميركيون يتقدمون في حي المنصور في بغداد.
النتيجة معروفة. ومصير معمر القذافي أصبح معروفاً. والقادم أعظم.. 

السابق
رسالة إلى المجلس الوطني السوري
التالي
تحريض !!