كيف ستوظف حماس انتصارها؟

كيف ستوظّف حركة «حماس» الانتصار الذي تعتقد أنها حققته عن طريق النجاح في إطلاق ما يزيد على ألف أسير فلسطيني في مقابل موافقتها على الإفراج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط؟
في استطاعة الحركة توظيف ما تعتبره انتصارا، وهو في الواقع انتصار على أهل غزة، كلّف القطاع أكثر من ألف واربعمئة قتيل وآلاف الجرحى، فضلا عن تدمير ربع البنية التحتية في دعم المشروع الوطني الفلسطيني المتمثل في البرنامج السياسي لـ «منظمة التحرير الفلسطينية». ولكن في استطاعتها أيضا استغلال ما تسمّيه انتصارا لإحكام سيطرتها على غزة، وإبقاء القطاع أسير عقل متخلف يهمه تغيير المجتمع الفلسطيني وليس التخلص من الاحتلال.

ما الذي ستختاره «حماس»، التي استغلّت حاجة الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو إلى انتصار على السلطة الوطنية الفلسطينية كي تعقد صفقة تؤدي إلى اطلاق شاليط؟
ما لا يمكن تجاهله في هذا السياق أن الجندي الاسرائيلي خطف في يونيومن العام 2006، أي في مرحلة بدأت فيها «حماس» تشعر بأنها تمتلك ما يكفي من القوّة والإمكانات المالية لتنفيذ انقلابها على الشرعية الفلسطينية في منتصف السنة 2007.
من الواضح أن «حماس» اضطرت إلى عقد صفقة مع إسرائيل بعدما فشلت فشلا ذريعا في إدارة غزة من جهة وتقديم مشروع بديل من البرنامج السياسي لـ «منظمة التحرير الفلسطينية» من جهة أخرى. إنه المشروع الوحيد المقبول من المجتمع الدولي والذي يمكن على أساسه العودة إلى المفاوضات يوما في حال التزمت إسرائيل خطوط العام 1967 مرجعية لهذه المفاوضات.
 
استطاعت «حماس» عقد الصفقة لأسباب موضوعية عدة في مقدمها حاجتها إلى علاقات جيدة مع القوى المهيمنة على النظام الجديد في مصر. في مقدم هذه القوى المؤسسة العسكرية والأمنية وحركة «الإخوان المسلمين» التي تريد تقديم صورة مختلفة عنها إلى العالم. ترتكز هذه الصورة على أن «الإخوان» حركة معتدلة على استعداد لاحترام كل الاتفاقات التي عقدتها مصر مع الخارج، بما في ذلك معاهدة السلام مع إسرائيل الموقعة في العام 1979.

ليست مصر وحدها التي لعبت دورا في اقناع «حماس» بالصفقة. كان هناك دور تركي. تريد تركيا بكل بساطة تقديم صورة جديدة كلّيا عن «الإخوان المسلمين» إلى العالم. تريد توجيه رسالة فحواها أن الخوف من وصول «الإخوان» إلى السلطة في هذا البلد العربي أو ذاك لا يعني في أي شكل انتصارا للتطرف. على العكس من ذلك، أن صفقة شاليط بداية استيعاب من «حماس» لوجود واقع ليس في استطاعتها تجاوزه، تماما مثلما استوعبت في الماضي القريب أن الصواريخ التي تطلق من غزة لن تحرر فلسطين. كانت تلك الصواريخ هدية من السماء للحكومات الإسرائيلية المتتالية التي اعتمدت عليها للقول ان لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه. ظلت إسرائيل تتحمل الصواريخ إلى أن جاء يوم اعتبرت فيه أنه لم يعد من فائدة تذكر منها، فاجبرت «حماس» على تغيير رأيها جذريا. بقدرة قادر صارت الصواريخ مضرّة، وصار إطلاقها «خيانة» وطنية بعدما كانت في الأمس القريب سلاحا رادعا!

في الأسابيع القليلة المقبلة، سنرى هل في استطاعة «حماس» التفكير بشكل مختلف مؤكدة أنها خرجت أخيرا من المحور الإيراني- السوري، وأنها لم تعد قاعدة متقدمة للنظام الإيراني على حدود مصر. سيتوجب على «حماس» أن تثبت أنها حليفة مصر الجديدة، مصر ما بعد حسني مبارك، التي لا تريد بدورها حروبا أخرى مع إسرائيل… وتركيا- رجب طيب اردوغان التي تعتقد أن في الإمكان تسويق «الإخوان المسلمين» في العالم من جهة، وأنها قادرة على ضمان قيام أنظمة إسلامية معتدلة في المنطقة من جهة أخرى.

أي طريق ستختاره «حماس»؟ الأكيد أنها لن تكون قادرة على الاستمرار في حكم غزة من دون مصر ومن دون دعم تركي. فصفقة شاليط التي كانت قادرة على التوصل إليها منذ اليوم الأول لخطف الجندي الإسرائيلي، كشفت أن الحركة أفلست سياسيا وأن كل ما تستطيع عمله هو حكم غزة بالحديد والنار في انتظار انفجار كبير يوما. فالغزاويون، على الرغم من كل ما أظهروه من خنوع أمام ميليشيات الحركة الإسلامية، لا يمكن أن يصبروا إلى ما لا نهاية على الظلم. هناك حركات في أوساط الشباب الفلسطيني تعرف أن الاحتلال زال عن غزة صيف العام 2005 وأن الهدف الحقيقي لحكومة نتنياهو الإمساك بجزء من الضفة الغربية والقدس الشرقية وأن كل ما عدا ذلك شعارات فارغة لا أكثر.
ستتمكن «حماس» من دون شك من تغطية صفقة شاليط عن طريق كلام كبير عن انتصارات لم يعرف العالم مثيلا لها. ولكن، ليس بين السياسيين الفلسطينيين من يجهل أن الانتصارات الوحيدة التي حققتها «حماس» كانت انتصارات على الشعب الفسطيني في غزة. هذا الشعب الذي يتعرّض منذ اليوم الذي خطف فيه شاليط لحصار جائر حوّله إلى شعب بائس. ولكن ماذا بعد الكلام عن الانتصارات، هل سيوجد من يقول ان لا بديل من البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، أي من المشروع الوطني الفلسطيني، هل سيوجد من يقول إن المطلوب التخلص من الاحتلال وليس مساعدة اسرائيل في تكريسه؟
هذه هي الأسئلة الكبيرة التي ستطرح نفسها قريبا. انها اسئلة تتجاوز «حماس» وتعني كلّ من ساعد في التوصل إلى صفقة شاليط الذي كلّف غزة ولا يزال يكلفها البؤس والتخلف ولا شيء غيرهما للأسف الشديد. 

السابق
النهار: تشرين الثاني المهلة الأخيرة لخيارات التمويل وجنبلاط يطلق مسار إنهاء الوراثة في حزبه
التالي
اللواء: حمد يحذّر النظام من اللف والدوران ويطالب بخطوات ملموسة لتجنب عاصفة كبيرة