عون يرمي نفايات الفتنة في وجه غيره

في العام 1989، وبعد اللقاءات العربيّة في تونس التي جمعت الرئيس سليم الحص من جهة، والعماد ميشال عون من الجهة الأخرى، بصفتهما رئيسين لحكومتين لبنانيتين متضاربتين في حينه، دخل لبنان مرحلة سياسيّة وعسكرية كانت من الأخطر عليه وعلى كيانه كذلك، وبالأخصّ على الرافعة الوطنية لقيام الدولة خارج الكادر السوريّ، أي المنطقة الشرقيّة (في حينه)، والقائمة على قوّة الجيش اللبناني الذي تسلّمه عون من الرئيس أمين الجميّل، والقوّات اللبنانية التي قادها الدكتور سمير جعجع منذ العام 1986، أي بعد إسقاطه لما عرف بالاتّفاق الثلاثي، والذي رعته سوريا.

وفي 14 شباط من العام 1989 انقضّ عون على القوّات تحت عنوان "الإعتداء عليه" وسيطر على المتنَين الشماليّ والجنوبيّ سيطرة شبه كاملة، وأعلن بعد ذلك تحريك الغرفة البحريّة لمنع المرافئ والمرافق غير الشرعيّة على طول الشاطئ اللبناني.

لماذا هذه الاستعادة؟ لأنّ مرجعاً بارزاً في قوى 14 آذار أراد إيضاح ملامح المستقبل الذي يرسمه "نبي المسيحيّين ميشال عون"، كما وصفه، من خلال استحضار حقائق الماضي، وبالتالي وَجُبَ الردّ على مقولةٍ أطلقَها عون في حديث تلفزيزنيّ أخير تقول بأنّ "جعجع وحده يمكنه إيقاظ الفتنة": ـ هل إنّ سمير جعجع هو الذي أشعل الفتنة في 14 شباط 1989، حين كان خارج لبنان، أم إنّه تحمّل التهمة من قبل عون لا أكثر، ولقاء بكركي عشيّة تلك الأحداث خير دليل على ذلك؟

ـ هل إنّ جعجع هو الذي أراد جمع الأسلحة من المقاومة المسيحيّة في حينه، في وقت تَرتَع فيه كلّ الأحزاب والتيّارات والتنظيمات من "حزب الله" إلى "أمل" إلى "الإشتراكي" إلى "القومي" إلى الفلسطينيّين، إلى "المردة"، إلى كلّ من كانوا يحيطون بالمناطق التي حرّرتها القوّات اللبنانيّة (جيشاً وشعباً)، ويعملون تحت غطاء الجيش السوريّ؟

ـ هل إنّ سمير جعجع هو الذي أشعل حرباً غير مدروسة بالسلاح المدفعيّ في 14 آذار 1989 ضدّ الجيش السوري، وتحت عنوان "حرب التحرير"، والتي بلغت فيها حدود "الغباء السياسيّ والعسكري" حدود الموت والجريمة والقتل العبثيّ، وصولاً إلى لا شيء؟ كما سأل المرجع البارز نفسه، بل هذا اللا شيء كان مواجهة عسكريّة بين الجيش وبين كلّ حلفاء سوريا وسوريا في 14 آب 1989 في سوق الغرب، لتنقلب المعادلة ضدّ حرب عون، وينقلب السحر على من ادّعى أنّه ساحر؟

ـ هل إنّ جعجع هو الذي مهّد الطرقات إلى الفتنة حين قبل ورضخ للجنة أمنية لبنانيّة ـ لبنانيّة، بعدما تبجّح بأنّه لن يقبل إلّا بلجنة أمنيّة لبنانيّة ـ سوريّة بين الجيشين؟

ـ هل إنّ جعجع كذلك، تابع المرجع البارز نفسه، هو الذي رفض اتّفاق الطائف الذي كان المخرج الوحيد لعبثيّة الحرب المدمّرة، والذي ارتضاه العالم العربيّ والدوليّ للبنان، بعدما ارتضاه نوّابه؟ هذا الاتّفاق الذي لم يرفضه سوى عون، ليعود فيعمل بنصوصه بعد خمس عشرة سنة، ويُنتخَب نائباً بموجبه، ويدخل إلى الحكومة بناء عليه، ويدمّر خمس عشرة سنة من تاريخ المسيحيّين وجهدهم عبر تغييبهم الكلّي عن السلطة وعن الإدارة، لأنّه رفض الطائف في ذلك الحين؟

عن أيّ فتنة يتكلّم عون، سأل المرجع من جديد؟ عن تلك الفكرة التي زرعها في بيوتات المسيحيّين، حيث قتل الأخ أخاه لأنّ واحداً في الجيش وآخر في القوّات، أم لأنه ترك أبطال الجيش يُذبحون في ضهر الوحش وسوق الغرب في 13 تشرين، وفرّ كما لم يفرّ القذّافي باتّجاه السفارة الفرنسيّة؟

عن أيّ فتنة يتكلّم هذا الرجل الذي رفع يوماً شعار القوّات اللبنانية لدفعها إلى رفض اتّفاق الطائف في كانون الأوّل من العام 89 في أحد مؤتمراته الصحافيّة قائلاً:"هذا يجمعنا". وبعد أقلّ من شهر، أي مع بدايات العام 90 لم يعد يجمعه مع القوّات إلّا عنوان واحد "لا سلاح إلّا سلاح الشرعيّة" الذي تحت عنوانه بدأ حربه الخاسرة وما قبل الأخيرة، والتي كانت فتنة الفتن ضدّ كلّ القواعد المسيحيّة العسكرية والاقتصادية والدينية، من دون استثناء، ومن دون هوادة، وفور عودته إلى لبنان بعد خروج الوصاية، عاد بالعناوين القديمة نفسها، مع استثناءات تلتقي مع حاجة عون ومصالحه، ولا شيء غير ذلك.

ـ فالمقاومة المسيحيّة العارية من الصحّة والمرفوضة، صارت مقبولة ولكن بوجهها الإسلامي لارتباط مصالحه مع "حزب الله".

ـ والسلاح خارج الجيش صار منطقيّاً وطبيعيّاً.

ـ والاعتداءات على الأملاك العامّة والخاصّة وإباحيّة أملاك الدولة تحت عنوان "شبكة الهاتف الخاصة بالمقاومة، وسيطرة المقرّبين من الحزب وسطوتهم على أيّ مرفق من مرافق الدولة، إذ يكفي أن تشير بإصبعك بقربك منهم لتُفتح لك الأبواب، بينما يُذَلّ أيّ مواطن آخر عند كلّ الأبواب، سواء كان عونيّاً أو غير عونيّ، وما حصل مؤخّراً في مصلحة الميكانيك في الحدث خير دليل على ضعف الدولة والشعب ووهنهما لصالح الأقنوم الثالث من مثلّثهم الذهبيّ.

وختم المرجع البارز في 14 آذار بالقول: "كلّ نفايات الفتنة هذه يرميها عون منذ بداياته في وجه سواه ويتّهمه بها، فلا عجب إن اعتبر الربيع العربي وثبة الى الوراء، وهو الذي طالما وثب بلبنان ومسيحيّيه الى الدمار والمجهول"! 

السابق
هل يحصل فراق ؟
التالي
لا تحوّلوا لبنان سجناً سورياً