بين التصويت لجعيتا وجبل نفايات صيدا

يكاد يكون التصويت لمغارة جعيتا لتصبح واحدة من عجائب الدنيا السبع الحدث الأبرز الذي يهيمن على أحاديث الشباب اليوم. "صوّتت لجعيتا؟"، سؤال يتردد مراراً بين الأصدقاء في الجامعات والمدارس، وبين الأقارب في المنازل وخلال الزيارات والمناسبات الاجتماعية. مما لا شك فيه أن الحملات الإعلانية ساهمت في إعطاء أهمية كبرى لهذا الحدث. وأشهر هذه الإعلانات ذاك الذي عرضته الشاشات اللبنانية "ما تصوتولي، صوتوا لجعيتا"، بمشاركة شخصيات سياسية وفنية لبنانية معروفة. هذا بالإضافة إلى ما تنقله الوسائل الإعلامية عن زيارات يقوم بها الرؤساء والنواب والوزراء والسياسيون والفنانون والفنانات والمشاهير اللبنانيون إلى المغارة وتصريحاتهم المتجددة، وآخرها الدعوة التي أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله خلال مقابلة تلفزيونية أول أمس، لحث اللبنانيين على التصويت بكثافة. 
نسبة كبيرة من الشباب اللبناني استجابت لحملات التشجيع. البعض اكتفى بالتصويت مرّة واحدة، والبعض الآخر صوّت أكثر من خمسين مرّة. ولم يكتف آخرون بذلك بل استخدم هؤلاء صفحات الـ"فايسبوك" للدعاية وحث الجميع على التصويت. فإذا زرت صفحات البعض تعتقد أنك دخلت صفحة إعلانية لـ"جعيتا" لكثرة ما تتضمن صورا للمغارة، إضافة إلى تفاصيل عملية التصويت، وجداول تبيّن الرقم الخاص بكل دولة وموقع. تقول فرح سكرية (22 سنة): "أكيد صوتت، لأنها بتستاهل تكون واحدة من عجائب الدنيا السبع". أما دافيد فهد (19 عاماً) فيستغرب مجرد السؤال: "صوتت أكتر من خمسين مرة، ليش؟ لأن هيدا واجبي، هيدا بلدي". توافقه لما خير الدين (20 سنة) مشددةً على أهمية التصويت: "إيه أكيد كلنا صوتنا، لأنها حلوة كتير، ما بعرف إذا في أحلى، بس أنا عنصرية بهيدا الموضوع". أما علي عمار (23 سنة) فيؤكد أنه وجميع أقاربه وأصدقائه صوتوا؟ والسبب؟ "لأنها كتير حلوة… بلكي بتخلي لبنان يصير مشهور بالأشياء الحلوة يلي فيه".
في المقابل، تمتنع فئة من اللبنانيين عن التصويت، لأسباب عديدة. بعض هؤلاء لم يصوت لأنه، ببساطة، لم يزرها في حياته، بسبب تعرفة الدخول المرتفعة. غنى عنتر (22 سنة) تقول لـ"شباب السفير" إنها صوتت مرة واحدة على الموقع الالكتروني، لكنها تتمنّى لو لم تفعل. وتضيف: "في لبنان تدخلين إلى مغارة جعيتا وتدفعين مثلك مثل الأجنبي، هيدا الشي مش موجود إلا عنّا! في الأردن مثلا يدفع المواطن درهمين فقط ليدخل إلى البتراء في حين يدفع الأجنبي 20 درهماً، وهذا منطقي أكثر". غنى مثال عن فئة شبابية تبدي انزعاجها من هذا الواقع الذي يفرض تكلفة مرتفعة على اللبناني الراغب بالتعرف على طبيعة بلاده وآثارها، معتبرة أن الدخول لجعيتا وغيرها من الأماكن الطبيعية أو الأثرية يجب أن يكون مجانيا لكل لبناني، أو على الأقل بتعرفة مالية متواضعة ورمزية.
ويرى هؤلاء أنه لا يمكن للفقير و"المعتّر" في لبنان أن يدفع أكثر من عشرة دولارات ليرى المغارة، في حين يحاول قدر المستطاع التوفير ليتمكن من جعل "مدخوله المتواضع كافياً لآخر الشهر"، لتغطية تكاليف حياته اليومية التي بالكاد يستطيع تأمينها. هذا الواقع انعكس عدم اهتمام بالنسبة للبعض، كما يقول زياد (24 سنة): "عندي إشيا أهم بكتير فكّر فيها".
بثقة تامة، تؤكد ميرا أبو هاشم (22 سنة) أنها لم ولن تصوت. "بصراحة، ما جاييني شي إذا بتطلع مغارة جعيتا واحدة من عجائب الدنيا السبع. وبالواقع رح تؤثر عليّ سلباً". تشير ساخرة إلى أن "نجاح المغارة" سيزيد نسبة السياحة في لبنان، مما يزيد من أزمة ازدحام السير. وتضيف بجدية: "كل التصليحات بالطرق تتأجل للشتاء، لأن المهم أن يقضي السياح وقتاً جميلا في الصيف، ونحنا مناكلها بالشتوية.. هيدا إذا ما زادو الضرايب ليغطوا مصاريف تزبيط المغارة يلي ح تزيد تعرفة الدخول عليها". وتختم ميرا بانفعال: "من جيبتنا بدّن يعملوها عجيبة ليتنعم فيها السياح. أنا ضد! لو بيعملوا جبل الزبالة في صيدا عجيبة بيكون أحسن، بلكي بيهتموا فيه شوي!".
"بتحب لبنان؟ صوّت لجعيتا!" أصبح شعار المرحلة، ومعيار "الوطنية" بالنسبة للبعض صار يرتبط بالتصويت لجعيتا. كل ما يحتاجه الأمر "سنتات" قليلة في الهاتف الخلوي، ليرسل رسالة قصيرة يؤدي من خلالها "واجبه". يتناسى الكم الهائل من المشاكل التي تحيط به، اجتماعيا واقتصاديا، يغفل عن التصويت لحقوقه ومطالبه، ويهتم فقط بـ"فوز" المغارة التي تظل زيارتها حلما لكثير من اللبنانيين من ذوي الدخل المحدود.. وربما تصير، في حال نالت اللقب، حلما بعيد المنال. 

السابق
الجرذان والفئران تجتاح مكاتب بي بي سي
التالي
“حصّن مجتمعك… المخدرات مسؤولية الجميع”