أشباح البعث والمأزق الأميركي

في العراق الحائر اليوم وهو يئن تحت سلطة الأحزاب الطائفية الإيرانية وعملاء المخابرات الإيرانية المعروفين أو المستترين أو المنافقين , ربكة ودبكة وحيرة وتخبط , ففي أجواء الربيع الثوري العربي وتكتل حكومة المالكي الطائفية خلف الخيارات الإيرانية ودعمها الوقح للنظام السوري وهو يخوض معركته القذرة ضد شعبه والتي سيخسرها في النهاية لا محالة ,تبدو الحالة في العراق معقدة للغاية في ظل الإنسحاب العسكري الأميركي الذي سيكتمل مع نهاية العام الحالي و الذي سيترك بطبيعة الحال فراغا أمنيا و ستراتيجيا رهيبا سيحاول الإيرانيون رتقه وملء فراغاته من خلال وجودهم العسكري و الإستخباري و السياسي الفاعل في تركيبة السلطة في العراق بعد أن سلمهم الأميركيون العراق و الجمل بما حمل و خرجوا يراقبون الموقف من دول الجوار و يطلقون التحذيرات الفارغة و العقيمة للنظام الإيراني التي لا يمكن لها أبدا أن تقف حجر عثرة أمام تعزيز النفوذ الإيراني في العراق , ووسط الحالة المرتبكة القائمة توضحت بجلاء طبيعة السيناريوهات التقسيمية التي يراد لها أن تحط رحالها في العراق بعد إكتمال سيناريو الإنسحاب و تحركات الأحزاب الكردية و إجراءات حكومة المالكي الأمنية أي تنفيذ مخطط نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن القديم و المعروف بتقسيم العراق كانتونات طائفية وعشائرية مريضة و إقتسام النفوذ الإقليمي و الإنهاء الكامل لدور العراق الستراتيجي في المنطقة , فالأحزاب الطائفية و العميلة و المرتبطة بأوامر و إملاءات الولي الإيراني الفقيه لا تبني وطنا و لا تشيد مجدا , بل تكون مرحلة عابرة و جزءاً حيوياً و مهماً في إمرار مخططات التقسيم تحت ذرائع و مبررات شتى و مختلفة و مختلقة أيضا , فكانت الإرهاصة ألأولى للهجمة السلطوية ممثلة بقيام وزارة التعليم العالي التي يهيمن عليها حزب الدعوة الإيراني من خلال وزيرها القيادي الدعوي الإيراني الجنسية علي الأديب بإجتثاث مئات المدرسين و الأساتذة الجامعيين في محافظة صلاح الدين بدعوى إنتمائهم لحزب البعث المنحل!! وهو إتهام مثير للسخرية مما دفع مجلس محافظة صلاح الدين للعمل على تحويل المحافظة لإقليم!! وهي خطوة إنفصالية واضحة رغم المبررات الإدارية الظاهرية لذلك القرار!!

 ثم جاءت حملات الإعتقال لمئات العراقيين في الجنوب خصوصا و من الشيعة تحديدا بحجة تورطهم في محاولة إنقلابية بعثية ستنفذ حلقاتها الفنية بعد الإنسحاب الأميركي لتدعم حالة التوتر الأمني الكبيرة في ظل إصطفاف جميع القوى الطائفية و السياسية التي باتت ترتب مواقعها و تتخندق في مواجهة إستحقاقات المرحلة المقبلة وخصوصا التيار الصدري المتخلف الذي يتهيأ لشكل من أشكال الهيمنة الطائفية , فجاء التركيز على ملاحقة البعثيين السابقين و جلهم من العناصر المتقدمة في السن أو من عناصر الجيش العراقي السابق و إستنادا إلى معلومات إستخبارية قبل أن الليبيين قدموها للحكومة العراقية و تأكد أيضا إن النظام السوري و كجزء من عملية رد الجميل لحكومة المالكي قد قدم أيضا قوائم بأسماء البعثيين العراقيين الموجودين في دمشق و الذين هم تحت رعاية ومراقبة المخابرات السورية سواء من جماعة الرفيق محمد يونس الأحمد أو عزة الدوري الذي يقود تنظيمه العمليات داخل العراق , وهو تنظيم لا يزال يمتلك العديد من عناصر القوة الساكنة ولكن ليس إلى الدرجة التي تؤدي للقيام بإنقلاب عسكري على النمط القديم , وإحتمالات الإنقلاب العسكري قائمة جدا في العراق رغم نفي الكثير من الأوساط لإمكانية حدوث ذلك إلا أنه إنقلاب يظل مرتبطا أساسا بالرغبة الأميركية المحض وليس بإمكانيات أو رغبات البعثيين الذين ضعفت قواهم رغم إمتلاكهم لعناصر قدرة إستطلاعية وإستخبارية متقدمة ,

 
يبقى الصراع السياسي في العراق محتدما بين قوى الحداثة و التقدم التي تمثلها التيارات و الشخصيات الليبرالية وهي ضعيفة ميدانيا بسبب الظروف الشعبية السائدة , و بين القوى الظلامية برؤاها الخرافية و الغيبية الساذجة و التي لها للأسف وجود وحضور شعبي طاغ بسبب الأمية و الجهل و التخلف السائد في المجتمع العراقي و رعاية الجانب الإيراني لها بقوة وزخم بإعتبارها الإحتياطي المضموم للرؤى الخرافية التي يبشر بها النظام الإيراني و يستعبد الجهلاء و السذج من خلالها , لذلك فإن التركيز السلطوي على تضخيم الخطر البعثي ماهو إلا محاولة لفرض إرهاب الدولة على المجتمع العراقي و إختلاق عدو وهمي لم يعد يمتلك عناصر القوة التي تؤهله للعودة الى الحكم بعد أن تبدلت المعادلات الدولية و الإقليمية و أنتهى بالكامل شكل ألأنظمة الإنقلابية العسكرية ذات الحمولات الآيديولوجية القومية التي سادت في حقب الخمسينات و الستينات من القرن الماضي و ماعاد ممكنا أبدا العودة لذلك النمط من الأنظمة التي إنتهى زمنها وأنقضى أوانها , وتهاوت أسسها , وبصراحة فإن أي نظام سياسي ليس من الممكن إستقراره و ترسيخه من دون إعتراف الأطراف الدولية الفاعلة , عودة البعث هي من المستحيلات.. ولكن ماهو قائم حاليا و تحت ستار إجتثاث البعث هو عمل الطائفيين على تنفيذ مشروع تقسيم العراق وصولا إلى تقسيم جديد للشرق القديم.. وتلك هي المعضلة.

السابق
اللواء: حمد يحذّر النظام من اللف والدوران ويطالب بخطوات ملموسة لتجنب عاصفة كبيرة
التالي
البناء: الأسد يُكرّر تحذير الغرب من زلزال سيعصف بالمنطقة إذا تدخّل في سورية:دول من بينها دول الجوار تُسلح الإرهابيين