جنبلاط طفل مخادع من الصعب خِداعه!

«يملك جنبلاط لغة خاصة به، مشوّقة كتقلّباته السياسيّة».

بهذه العبارة تختصر الاختصاصيّة في علم النفس الإجتماعي الدكتورة ليلى شحرور لغة جسد رئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط، مشيرة إلى أنّ «لديه فيضاً من الإيماءات التي تحوّلت جزءاً لا ينفصل عن هويته، وتعكس شخصيته، منها حكّه شاربيه أو هزّه رأسه مع ترميش عيون زائد في بعض الأحيان».

في قراءة أوّلية للغة جسده، يسترعي انتباه شحرور نقطتان بارزتان في تعاطي جنبلاط مع الآخرين، فتفنّدهما قائلة: «أوّلا، نادرا ما يتأثر سلوكه بتوقّعات الآخرين، وهو لا يتردّد في استرجاع قضيّة ما أزعجته في الماضي ليضعها في سياق مختلف، بالتزامن مع سعيه إلى لعب دور المرء اللطيف». وتتابع مشبّهة جنبلاط بـ"الطفل الذي يصعب خداعه"، فتقول: «يصعب تمرير حيلة عليه عن طريق لهوه، فهو دقيق الملاحظة، سريع البديهة، قد يخدع الآخرين، ولكن من الصعب خداعه».

ساحر ماهر…

وتجد شحرور عموما «أنّ زعيم المختارة ساحرٌ ماهر في إلهاء المتلقّي، وإبقائه في منطقة رمادية»، موضحة: «يمكن المشاهد أن يتابعه لساعات في أيّ برنامج سياسيّ حواريّ من دون ان يخرج باستنتاج حاسم، أو معلومة إضافيّة»، منوّهة بقدرته على إخفاء ما لا يريد كشفه، فتقول: «كثيرة هي الإيماءات التي تساعد «البيك» على ترك المتلقّي تائها، «لا معلّق ولا مطلّق»، منها الحَكّ، وضع النظّارات، تلمّس الشاربين، الترميش في العيون، ما يعكس في الوقت عينه مقدرة رفيعة على المخادعة».

وفي السياق عينه، تلفت شحرور إلى قدرة جنبلاط على إدهاش الآخرين، قائلة: «نادرا ما ينجح المحيطون بزعيم المختارة في التنبّؤ بمنحى مواقفه السياسيّة المستقبليّة، عِلما أنّه يكون مدركاً في قرارة نفسه إلى أين هو متّجه». وتضيف: «لو تأمّلنا مشية جنبلاط لوجدنا أنّها تنمّ عن ثقة عميقة بذاته، فهو غالبا ما يقف مبقياً يديه خلف ظهره متنقّلاً كشاويش في دارته وكسلطان نافذ, أمّا وقفته غير الثابتة تعبّر عن مواقفه المتقلبة».
 
«وما يزيد جنبلاط ثقة واطمئنانا»، على حدّ تعبير شحرور، «هو تعلّق أبناء طائفته به، وعجزهم عن الانسلاخ عنه، بصرف النظر عن المنحى الذي يمكن أن تأخذه تقلّباته»، مضيفة: «يعرف جنبلاط تماما كيف يستفيد من هذا الدعم، ممّا يسمح له بتعزيز «كاريزمته» ورفع أسهمه في قلوب المعجبين».

وتنتقل شحرور إلى ملامح وجه جنبلاط، متوقّفة عند حاجبيه، فتقول: «من رسمة حاجبيه يتبيّن مدى المزاجيّة التي يمكن أن تحكم جنبلاط، أبعد من ذلك هو من الأشخاص الذين يفقدون الاهتمام بأيّ مشروع محدّد، قبل المشارفة على إنهائه، لوهلة قد يتسلّل الملل إلى ذاته ويشعر بأنّه يسبح في مستنقع من الرتابة، لذا قد يتوق إلى ما هو جديد يكسر من خلاله الروتين».

يصعب إرضاؤه

وتجد شحرور في الانتفاخات فوق عيون جنبلاط «أنّه من الأشخاص الذين يصعب إرضاؤهم، وفي الوقت عينه يحقدون على من يسيء في حقّهم». أمّا في المسافة التي تفصل بين عينيه، فهي «إشارة إلى قدرة جنبلاط على التفوّق في قضايا تتطلّب براعة وتركيزا». وفي السياق عينه، تنوّه شحرور بهدوء أعصاب جنبلاط قائلة: «عمق عينَي جنبلاط يُظهر استقلاليّة كبيرة وتوقيتاً لبقاً للكلام، فهو لا يتفوّه إلّا بما يريد التعبير عنه، ما يعني أنّه هادئ الطبع، وغير مبالٍ إزاء الهموم العاديّة وغياب الصدق في التعاطي».

وتشير شحرور إلى «أنّ الخسفة في أوّل أنف جنبلاط تعكس حبّه للفنّ، الثقافة، الأدب والإبداع، ما يمكّنه من بلوغ أفكارٍ من الصعب أن يبلغها أيّ شخص». أمّا بالنسبة إلى أنفه، فتقول: «الأنف الطويل يعكس حبّ التخطيط وحاجة صاحبه الدائمة إلى العمل، والظهور في دور المنقذ، المبدع، البطل القوي، إلى حدّ قد يتفاجأ البعض به، وينفر آخرون منه». وتضيف: «قد يطلق عليه اسم «العبقري» ضمن بيئته أو فريق عمله، نظراً إلى أنّ في إمكانه إيهامهم ظاهريّا بروح الجماعة لديه، ولكنّه في الباطن يفضّل إنجاز الأمور على طريقته». في السياق عينه، تلفت شحرور إلى أنّ الادّخار لا يُشغل جنبلاط، إذ يتعامل مع المال كالسائل الذي يذهب ويعود.

مرن … لكن حين يريد

وترى شحرور أنّ «جنبلاط يميل إلى استقاء المعلومات، والتمتّع بموهبة الإصغاء انطلاقا من شكل أذنيه، إلّا أنّه في الوقت عينه قد يتعمّد التجاهُل وعدم الاستماع، واختيار السكوت كأفضل جواب، خصوصا أنّه يفتقر إلى الاحتمال الدبلوماسي وقد ينفذ صبره». وتتابع محذّرة من تداعيات هذا الأسلوب: «ما يعني أنّ جنبلاط مرنٌ حين يريد، وقد يتسرّع في اتّخاذ قراراته أحيانا بعد أن يكون قد بناها على معلومات ناقصة، نظرا إلى إلحاحه وتسرّعه». أمّا بالنسبة إلى دائرة أذنه الخارجيّة، فتقول شحرور: «هي مائلة بعض الشيء، ما يعني أنّه يُنجز كثيراً من الأمور، ولا توقفه اعتراضات الناس الشخصيّة عليه وحيرتهم منه».

أمّا عن وجنتَي جنبلاط، فتقول شحرور: « إنّهما تعكسان أسلوبا فريداً من نوعه في التعاطي، يختلف عن أسلوب الآخرين، وليس خفيّاً على أحد أنّ لدى جنبلاط مشكلة في تفويض غيره، إذ يشعُر في قرارة نفسه بأنّه الأفضل لإنجاز الأعمال، ولا بدّ من أن يضع إصبعه فيها كي تنجح». وتضيف: «إلّا أنّ هذا الشعور قد يقوده إلى الغرور، أو حتى الغيرة من الآخرين، عِلما أنّه يظهر قوّة قياديّة تلفت الحاضرين، ما يساعده في الحفاظ على دور رياديّ، أو يشكّل له تأشيرة الحصول على مناصب لم يتعب في نيلها أو حتى طلبها». وفي هذا السياق، تلفت شحرور إلى أنّ «جنبلاط أقرب إلى عالم الحقيقة من الخيال، فشفَتُه السفلى المتوسّطة الحجم تعكس أبعاداً عدّة، أبرزها كلامه عن الحقيقة والواقع، وفي الوقت عينه قدرته العالية على الإقناع الى درجة استغباء الآخرين».

سخريته… لاذعة

«طريقتي… أو كلّ الطرق غبيّة»، عبارة تختصر الحدّ الذي يمكن أن تبلغه روح المنافسة لدى جنبلاط، إذ تعتبر شحرور «أنّ ذقن جنبلاط المائلة تظهر أنّ المنافسة عنده قد تتحوّل شيئاً من العدوانيّة غير الضرورية في بعض الأحيان». أمّا عن ابتسامته فتقول: «غالباً ما تنمّ عن سخرية لاذعة، وأبعاد مبطّنة، خصوصاً وأنّه بارع في معالجة القضايا بدقّة متناهية، ولكنّه انتقاديّ في طبعه، ممّا يربك المحيطين به».

وفي الختام، تلفت شحرور إلى ملامح ثلاث قد تختصر لغة جسد جنبلاط وتتجاذبه في آن معا، وهي: «الأفكار المتعارضة، التكتّم والغموض، والترفّع عن بقيّة البشر». 

السابق
رفض نصر الله التمويل لا يؤدي إلى صدام بين ميقاتي وحزب الله
التالي
تقليد اوسمة السلام لعناصر الوحدة الكمبودية