مدفعية الجنرال تطال الحلفاء والخصوم

قلة من العونيين يصدقون أنهم في السلطة ويملكون كتلة هي الأكبر في مجلس الوزراء. هؤلاء لم يشعروا أن نعيم السلطة قد طرق أبوابهم بعد. وحتى عندما يتحدثون عن أنفسهم أو حلفائهم يقولون «نحن في المعارضة»، قبل أن يستدركوا: «نحن في الأكثرية».
توحي مواقف «التيار الحر» أنه «أكل الضرب» بتخليه عن ملعبه في المعارضة، فيما «الضرب الأكبر» بعجزه عن الانتقال إلى جنة السلطة، من دون أن يكون قادراً، في المقابل، على هز عرش الحكومة التي ما تزال أسهم بقائها مرتفعة، انطلاقاً من حسابات «حزب الله» وسوريا… وحتى لا يأخذ على نفسه وزر عدم القدرة على اتخاذ القرار بعيداً عن ذلك الثنائي، يفضل التيار التأكيد على أنه لن يقوم بعمل يواجه به حلفاءه الاستراتيجيين.

عندما أعلنت استقالة حكومة سعد الحريري من الرابية، شعر العونيون أنهم أمسكوا بناصية السلطة وأن برنامجهم الإصلاحي، الذي ينادون به منذ العام 2005، سيوضع موضع التنفيذ. لكن استلام الحكم تحول إلى حلم عوني بعيد المنال، بعدما تيقن «التيار» أن الحلفاء قبل الخصوم ينتظرونه عند كل مفترق لوضع العصي في دواليب خططه الاصلاحية المنشودة.
يُعرف اتجاه البوصلة العونية كل أسبوع في المؤتمر الصحافي الذي يعقده «الجنرال» بعد اجتماع «تكتل التغيير والإصلاح». يكاد هذا المنبر يتحول إلى المكان الوحيد الذي يستطيع العونيون من خلاله إيصال رسائلهم، في ظل معضلة جدية يواجهها عون في العلاقة مع الحلفاء أو أطراف الائتلاف الحكومي.  العلاقة مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي دائماً متوترة، ولا يفوت عون فرصة إلا ويوجه سهامه له ولمصالحه التي «تتمحور كلها في الإطار السني الضيق»، حسب قيادي عوني. بل لا يفهم عون لماذا يصر ميقاتي على المشاركة في الحصة المسيحية من التعيينات على سبيل المثال، فيما التجربة أثبتت فشله في اختيار فريقه السني، ويسأل لماذا لا يتجرأ أحد على التعدي على حصة وليد جنبلاط الدرزية.
الكيمياء بين عون ونبيه بري لم تستقر يوماً على الرغم من كل المحاولات التي يقوم بها «حزب الله» والتي نجحت في إيجاد تفاهمات موضعية، من دون أن تكسر المعادلة التي فرضها عون يوماً بقوله إن بري هو حليف حليفه.
بالنسبة لوليد جنبلاط، يبدو العونيون مقتنعين أن الزعيم الدرزي يصعب عليه التوافق مع أي زعيم مسيحي ويفضل التعامل مع المسيحيين بالمفرق. ويسأل هؤلاء لماذا لا يريد جنبلاط أن يقفل ملف المهجرين، وما هي غايته من التركيز على فتح خطوط خلفية مع المسيحيين عبر التواصل مع منصور البون وزياد بارود وفارس سعيد وفريد هيكل الخازن، ولماذا لا يرفضون لهؤلاء طلب زفت واحدا؟ً.

المشكلة العونية مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان هي أنه لا يريد أن يقول ماذا يريد. سليمان فرنجية يريد أن يبني زعامته على حساب «التيار» على الرغم من أنه يعرف أن زغرتا هي حدود زعامته، وأن مصلحته تقضي باستمرار تعاونه مع عون، وهو يضبط ساعته على ايقاع رئاسة الجمهورية فقط لا غير.. والعونيون يعرفون جيداً ان فرنجية لا يرتبط إلا شكلياً بالتكتل فيما علاقاته الفعلية هي مع ميقاتي. المشكلة العونية في العلاقة مع الحلفاء تصل حتى إلى وزير الداخلية مروان شربل الذي سماه ميشال عون على قاعدة أنه محسوب مناصفة عليهم وعلى ميشال سليمان، لكنه قرر نقل البارودة كليا الى قصر بعبدا، متغاضياً عن الغطاء المسيحي الكبير الذي يمكن أن يؤمنه له عون.
حتى مع «حزب الله» ثمة نصف امتعاض عوني، إن صح التعبير. يشعر التيار أن الحزب مقل بدعمه له، وهو سبق وأبدى انزعاجه من طريقة تعاطي الحزب مع ملفات حكومية عدة أبرزها الكهرباء. وقبل ذلك، لا يرى عون مبرراً لهذا الحرص الزائد على الحكومة والذي يؤدي بالحزب إلى التغاضي عن محاربة الفساد، وقد ذكّره بتلازم المقاومة والاصلاح، وأن المقاومة تتضرر بوجود الفساد، فيما لا ينسى المتابعون أن عون أكمل حربه العنيفة على ميقاتي يوم الثلاثاء بعد يوم واحد من تأكيد السيد حسن نصرالله على تمسكه بخيار ميقاتي وبالتالي بحكومته.

أمام هذه الشبكة المعقدة من المعارك التي يقودها «التيار» بالجملة والمفرق، ثمة من يؤكد أنه حان الوقت ليقوم بنقد ذاتي، يراجع من خلاله خريطة طريقه السياسية، التي تبدو أنها بالكاد تستطيع السير وإن وصلت فعلى الأغلب تصل إلى طريق مسدود. «الشعارات التي يطرحها التيار كبيرة جداً»، ومع ذلك فهو لا يتعب من الضرب على وترها ليلاً نهاراً، من دون تحقيق أي نتيجة تذكر. لتكون المعادلة أن التكتل الممسك بثلث عدد الوزراء في الحكومة عاجز عن السير بأي مشروع إلا بشق النفس، فيما ينظر بعين الحسد إلى جنبلاط الذي لا يرد له طلب.

التيار في أزمة. هكذا يصف بعض العونيين تيارهم، قبل أن يخلصوا إلى ضرورة أن يتغير الأداء السياسي. ليس أداء التيار فحسب، بل أداء الحلفاء أيضاً. كيف ذلك؟ الخطوة الأولى هي بمزيد من التواصل بين مكونات الأكثرية وصولاً إلى إنشاء مطبخ سياسي مشترك. إذ أنه من الممنوع ان يذهب الوزراء، على سبيل المثال، إلى جلسة مجلس الوزراء من دون أن يكونوا قد اتفقوا ونسقوا المواقف بشأن المشاريع مسبقاً. يجزم هؤلاء أن كل نكسة يتعرض لها عون سياسياً تطال بتأثيرها كل مكونات الحكومة، فيما كل إنجاز يحققه يمكن للجميع أن يستفيد منه في انتخابات العام 2013، انطلاقاً من أن المعارك الحقيقية حينها ستنحصر في المناطق المسيحية، ومن يحسمها يحسم شكل الأكثرية المقبلة.

بعيداً عن الاصلاح وملفاته يعرف المتابعون لحركة التيار الوطني الحر أن الصراخ المرتفع يخبئ وراءه أهدافاً واضحة. هؤلاء يجزمون أن عون «يعرف تماماً ماذا يريد. وهو ليس ذلك السياسي الذي يحارب طواحين الهواء كما يظن البعض، بل هو السياسي العنيد الذي يصر على أن يكون له دوره في المعادلة الحالية، بعدما أقصي عن المعادلة منذ العام 90، وواجه حرباً دولية في العام 2005، ثم في 2009.
عند مسألة الدور تتوقف الخلافات اليوم. وعليه، «فإن ما يحصل من خلافات هو أمر طبيعي، فلكل من مكونات الحكومة أولوياته وطريقته في التعبير عن مطالبه، إلا أن التفاهمات تنتصر في النهاية» يقول أحد نواب الأكثرية.
كان ميشال عون قائد مدفعية ويعرف جيداً أن تقدم القوات لا بد أن يسبقه قصف مدفعي. يعرف أيضا أن لكل مقاتل وضابط وظيفة محددة في المعركة. هل يجوز أن يكون «الجنرال» هو العازف الوحيد أو أن يوكل المهمة حصرا الى صهره، بينما كل تياره في حالة بطالة سياسية وما زال ينتظر المؤتمر التأسيسي الأول وانتخاب قيادة «التيار» والانتقال من حالة الشخص الى حالة المؤسسة؟ 

السابق
خوري أشاد بنتائج زيارة الراعي الاميركية: الموارنة في الانتشار خط الدفاع الدولي عن لبنان
التالي
مأزق وطني