حزب التمويل..

لا تركب سيبة المنطق بالمقلوب يا إخوان، لكن أيّامنا سائرة وسارحة على نمط سلوكي يحاول أصحابه إقناعنا بتلك المعادلة المستحيلة: حزب مسلّح مؤدلج، مُعبّأ ومنظّم وحديدي لكنه يشتغل في السياسة العامة مثل فريق من الهواة أو مجموعة طلابية جامعية تعتمد التجريب منهجاً دراسياً لإدراك اليقين، باعتبار انّها صاعدة إلى الدنيا حديثاً وتعوزها الخبرة وحنكة التعقيد!
.. يقول "حزب الله" وأمينه العام قولاً حاسماً في شأن قصّة تمويل المحكمة الدولية، ثمّ يتم تسريب خبر (ظريف) مفاده انّ الرئيس السوري بشّار الأسد التقى السيد حسن نصرالله قبل عشرة أيام وأبلغه موقفاً مؤيّداً للتمويل! والحال هو أنّ تلك السالفة تتوّج مساراً من الأداء المتناقض في ظاهرة بين الطرفين حيال المحكمة وما يمتّ إليها رغم "وحدة المسار والمصير" في هذا الشأن!.
 
ولا شك بمقدار ثقل حبّة حنطة واحدة في أنّ القيادة السورية مهجوسة بالمحكمة من أول حرف فيها إلى آخر قرار أصدرته وستصدره، أكثر من "حزب الله". وهي فعلت (وتفعل) كل شيء لضربها وتبخيسها وتمزيق عُرى صدقيّتها. بل لم توفّر شيئاً إلاّ واستخدمته في سبيل الوصول إلى تلك الأهداف.. لكن في موازاة ذلك تماماً بتاتاً، أعلنت "التزامها" القرار الدولي الخاص بإنشائها (المحكمة) وبعملها وتصرّفت في ضوء ذلك الالتزام. أي أنّها "تعاونت" مع التحقيق الدولي في دمشق وخارجها، وكلّفت مكتباً للمحاماة في لندن بمتابعة ما يتعلق بها في هذا الشأن.
في المقابل، قال "حزب الله" كل شيء بدوره لضرب صدقيّة التحقيق والمحكمة، وأرفق ذلك بترجمة أقواله أفعالاً حسّية. وفي الحالتين بدا وكأنّه المتضرّر الأكبر والوحيد من المحكمة (سلفاً) فيما الحقيقة (المؤجّلة الإعلان والكشف) تفيد بأنّه قد يكون جزءاً من اطار محلي اقليمي أوسع!

ويقول الخبر المسرّب عن لقاء الأسد نصرالله، انّ الرئيس السوري "ترك" لضيفه تقدير الموقف من التمويل.. وضيفه في الأساس يأخذ كل الأمور بصدره، من كبيرها إلى صغيرها.. وكأنّه يقول للآخرين (وهؤلاء دول فعّالة في المنطقة) إنّه الأقدر على مواجهة جبال المحكمة وقرارات الشرعية الدولية! والأشطر في كيفية التملّص من اتهاماتها! والأكثر استعداداً لتحمّل تبعاتها وتحميل اللبنانيين في الإجمال أوزار تلك التبعات!
.. تماماً كما هو حاصل في قضية النزاع مع إسرائيل من أساسها: وحدنا في لبنان معنيّون بتحطيم اسطورة جيش الصهاينة. ووحدنا في لبنان معنيّون بتحرير الأرض السليبة من تخوم طبريا حتى مضارب بدو النقب، ومن ضفاف نهر الأردن إلى ضفاف المتوسط. ووحدنا في لبنان معنيّون بالبقاء معلّقين على حبال ذلك النزاع، في حين أنّ جارنا الممانع القريب تحديداً، لا يفعل شيئاً منذ أربعين سنة إلاّ التفرّج على "بطولاتنا" ثم مشاركتنا في حصد الأرباح!!
.. ما الذي كان يمنع السيد نصرالله وحزبه من التصرّف ازاء المحكمة كما تفعل القيادة السورية؟ أم أنّ "مَونته" على جمهوره وعلى سائر اللبنانيين تجعله يتصرّف وكأنّ هؤلاء والجمهورية وبناها أبخس قيمة من القيادة السورية، وتلك تفتدي هذه!؟
ثمّ مَنْ قال إنّ "المراهقة السياسية" حكرٌ على الأفراد؟! 

السابق
لهذه الأسباب اغتيل المعارض مشعل
التالي
تسليم وتسلم بين الكتيبتين الهنديتين في نقار كوكبا