جعفر فضل الله: لاعادة إنتاج قيم على أساسها نحكم البلد ونعمل على تطويره

ألقى السيد جعفر فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

"في هذا الأسبوع لا بد لنا أن نتوقف عند مشاهد عدة:

في المشهد الفلسطيني، يعمل العدو الصهيوني على استكمال مخططه الرامي إلى السيطرة الميدانية الكاملة على القدس، وتهويدها نهائيا، مع بداية بناء 4000 وحدة استيطانية، بما يفضي إلى تطويق القدس في شكل كامل بالمستوطنات، فيما يستفيد هذا العدو من التغطية الغربية، ولا سيما الأمريكية، لكل مشاريعه الاستيطانية والعدوانية وغيرها؛ هذه التغطية التي تعمل لإكساب العدو المزيد من الوقت لذلك، عبر الضغط على الفلسطينيين للدخول مجددا في مفاوضات فارغة. كل ذلك وسط انشغال العرب وصمت الجامعة العربية، مما يشير إلى أن ما يرسم للمنطقة كلها من خلال القبض الكامل على فلسطين التاريخية هو أمر خطير جدا، يتجاوز كل ادعاءات الإدارات الغربية حيال حقوق الإنسان في العالم العربي، ليتم في النهاية الإعلان عن قيام الكيان اليهودي الخالص على أرض فلسطين كلها".

اضاف: "إننا نقول للشعوب العربية والإسلامية: حذار من الوقوع في فخ التأطير الذي يفرض أن يتقوقع كل مجتمع على قضاياه الخاصة ومشاكله الداخلية بعيدا عن الاستحضار الدائم لقضية الإسلام والعرب المركزية، أعني تحرير فلسطين؛ لأن أية ثورة أو حركة تبتعد عن فلسطين في أهدافها وحركتها سوف تخسر على مستوى المستقبل وإن شعرت بأن تطورات الحاضر تعمل لحسابها. بل إن لنا أن نقول: إن عنوان الإخلاص لدى أي حركة تطرح شعارات الحرية والتغيير، إسلامية كانت أو غيرها، إنما يتأكد عندما تكون بوصلتها النهائية تشير إلى فلسطين؛ لأن قضية الحرية لا تتجزأ، ووعي المسؤولية التاريخية عن الواقع الإسلامي والعربي لا يقبل التقسيم والتأطير".

وتابع: "نقول لكيان العدو الذي يتحدث عن عشرة ملايين وحدة سكنية في الأعوام القادمة: مهما بنيتم من مستوطنات، ف"إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين"؛ ومهما دنستم من مقدسات وأحرقتم من مساجد، فإن قداسة اليد التي بنت في السابق تستطيع أن تبني من جديد؛ ومهما أسرتم من المجاهدين، وقتلتم من الشعب، فما في غيابة الأرحام يتغذى على وعي القضية أكثر فأكثر، ومهما اتكلتم على قوى الاستكبار في الغرب لتمرروا مشاريعكم، فالله تعالى يقول: "وتلك الأيام نداولها بين الناس".

وقال: "اما في المشهد العربي، حيث يعود العنوان الإسلامي إلى الواجهة السياسية، كما رأينا في الانتخابات الأخيرة في تونس، ففي الوقت الذي نعتبر فيه أن علينا كمسلمين أن لا نخجل من طرح الرؤية الإسلامية في الحركة السياسية حتى على مستوى إدارة الدولة، نؤكد أن العنوان الإسلامي لا بد أن يحرك القيم الإسلامية كلها على أرض الواقع، بدءا من حفظ كرامة الإنسان، مرورا بالانفتاح على الإنسان كله، ونبذ الفتن وعدم التكفير والإلغاء، وصولا إلى صون مقدرات البلد والأمة من نهب الطامعين، ورفض الوصاية والاحتلال، فإن الله تعالى، كما أمر بالصلاة والصيام والحج، وشرع في الأحوال الشخصية، قال: "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار"، ويقول: "لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير".

ورأى ان الحركات الإسلامية على امتداد العالم العربي والإسلامي معنية اليوم ـ أكثر من أي وقت مضى ـ بإنتاج خطاب واضح للأمة تبين فيه موقفها من كل قضايا الأمة؛ لأن الكثيرين باتوا يغمزون في السياسة من قناة إسلام معتدل منخرط، أو متناغم مع كثير من مشاريع الاستكبار التي يراد فرضها على واقع الأمة؛ وهذا لا يجوز. وإن الإسلام ـ في وجهه الحضاري المنفتح ـ هو أمانة الله لدى الجميع، وأول خطوط أداء هذه الأمانة هي العمل على صون وحدة الأمة، ومواجهة كل أبواق الفتنة المذهبية أو الطائفية التي لا تخدم إلا الاستكبار ومشاريعه، والصهاينة واستمرار تهويدهم للأرض".

اضاف: "أما لبنان، الذي لا يزال تحت ضغط الدول الكبرى، في مسألة المحكمة وتمويلها، ولا يزال يرزح تحت مشاكله الاجتماعية والاقتصادية، ولا يزال مهددا في ثرواته الطبيعية، وفي أمنه وسلامته من قبل العدو الصهيوني، فإن المطلوب فيه أن نعيد إنتاج القيم التي على أساسها نحكم البلد ونعمل على تطويره، وندير علاقاته في الداخل والخارج؛ ولو رجعنا إلى قيم الإسلام والمسيحية لكفى، لأننا لا نريد أن نستورد صيغا من الخارج لا تراعي خصوصيات البلد، ولا قيما من الذين تحركهم مصالحهم وأطماعهم، ممن هم مستعدون أن يخذلوا حتى جماعاتهم عندما تصطدم بمصالحهم الحيوية".

وختم: "إن المسؤولية العامة، في أي موقع من المواقع، تفترض أن يكون المسؤول وكيلا عن الشعب في تحقيق مصالحه، في الحاضر والمستقبل، وأن يخرج من ذاتياته وأنانياته ومصالحه الضيقة لمصلحة المجتمع والأمة، وإن الرياح التي تعصف بالمنطقة، ويحاول أن يلعب على وترها الاستكبار، تفترض أن يملك المسؤولون القدرة على مواجهتها بالطريقة التي تحفظ مستقبل هذا البلد، في حفظ إنسانه وثرواته وتنوعه وأمنه، والله يقول: "وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم".  

السابق
الاخبار: لا لقاء بين الأسد ونصر الله
التالي
رامي بيننا والهيرويين يعشش في عروقه