خطران يتهدّدان لبنان: التمويل وأحداث سوريا

اللبنانيون القلقون على أمن بلدهم واستقراره كانوا ينتظرون ان يسمعوا من الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله كلاماً يطمئنهم وليس تأكيداً لما سبق ان أكده قبله العماد ميشال عون وهو ان "لا تمويل للمحكمة وأن من يريد تمويلها فليدفع من جيبه"…
الواقع ان لبنان يواجه خطرين محتملين اذا لم يحسن الزعماء فيه التصرف ولم يحكّموا العقل فلا ينساقون وراء عواطفهم السياسية او الدينية والمصلحية:

الخطر الأول: هو عواقب الامتناع عن تسديد حصة لبنان من تمويل المحكمة لأن كلفة ذلك تفوق كثيراً قيمة هذه الحصة. وقد حذرت أكثر من دولة من هذه العواقب وكان أحدث تحذير هو الذي صدر عن سفيرة الولايات المتحدة الأميركية مورا كونيللي في لبنان بعد لقائها العماد عون في الرابية، متعمدة اسماعه كلامها التحذيري كي يسمعه أيضا حليفه "حزب الله" بقولها إن لبنان سيتحمل العواقب الجدية اذا لم يلتزم تعهداته حيال المحكمة ثم عاد وأكد هذا التحذير نائب مساعد وزيرة الخارجية الاميركية، مما يعني ان المسألة ليست مسألة بقاء الحكومة او استقالتها، إنما هي أخطر بكثير وتتعلق بمصير الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان وهو وضع لا يميز بين لبناني وآخر ولا بين مسيحي ومسلم ولا بين 8 و14 آذار، وان "حزب الله" ومن معه يتحمل مسؤولية دفع لبنان نحو الهاوية كما تحمل من قبل مسؤولية حرب تموز مع اسرائيل لأنه أقدم على خطف جنديين اسرائيليين فكان رد اسرائيل على ذلك قاسياً بحيث جعل الأمين العام للحزب السيد نصرالله يقول: "لو كنت اعلم انها سترد على هذا النحو لما كنت أقدمت على ذلك". لكن الندم لا ينفع بعد ان تكون الخسائر البشرية والمادية أصابت لبنان واللبنانيين ولم تعوَّض كاملة حتى الآن.
 
ويخطئ السيد نصرالله من جهة اخرى اذا كان يظن ان الحكومة تبقى اذا لم يتم تمويل المحكمة وانه يستطيع ان يجمع بين بقاء الحكومة ورفض التمويل، فالرئيس ميقاتي كما تؤكد المعلومات لن يرضخ لنتائج التصويت عند طرح موضوع التمويل في مجلس الوزراء هذا اذا طرح على التصويت بغية وضعه مع رئيس الجمهورية بين خيارين: اما التصويت الذي يكون لنتائجه مضاعفات، وإما تعطيل جلسات مجلس الوزراء كي تدخل البلاد عندئذ مرحلة الشلل التي كانت قد دخلتها سابقاً بسبب ملف شهود الزور.
الرئيس ميقاتي لن يتردد في تقديم استقالة الحكومة انقاذاً لشعبيته، وإذا لم يفعل فإن حكومته قد تسقط تحت ضغط الشارع الذي تحركه لقمة العيش عند الناس كل الناس، وليست السياسة التي تقسمه، فالجوع كافر لأن لا دين له ولا سياسة. أضف ان المحكمة ستتابع سيرها بموافقة لبنان على تمويلها أو عدم تمويلها. فلماذا تعريضه إذاً للعقوبات؟

أما عواقب الخطر الآخر التي لا تقل عن عواقب رفض تمويل المحكمة، فهي احتمال اقتراب شرارة الحوادث الدامية في سوريا من لبنان أياً تكن نتائجها، لتفتح أبواب الانتقامات السياسية والحزبية والشخصية وتصفية الحسابات بين قوى 8 و14 آذار، وقد يكون احتمال عودة الاغتيالات التي تحدث عنها وزير الداخلية والبلديات مروان شربل اول الغيث… فكما وقعت الاغتيالات في الماضي لعرقلة قيام المحكمة الدولية وليبقى مرتكبوها مجهولين، فإن احتمال عودتها قد تكون هذه المرة بسبب الاحداث الدامية في سوريا التي اذا ما اقترب لهيبها من لبنان ولم يبادر الزعماء بسرعة للعمل على تجنيبه خطرها وقبل فوات الاوان، فإن تدمير لبنان قد لا يغير شيئا في مسار هذه الاحداث. وتجنيب لبنان هذه الاخطار ليس مسؤولية الرئيس سليمان وحده، خصوصا ان ليس في يده حيلة سوى الدعوة الى مؤتمر وطني واسع يضع فيه الجميع امام مسؤولياتهم الوطنية والتاريخية التي تجعلهم يتخذون القرارات التي تجنّب لبنان تداعيات ما يجري في سوريا، وكذلك تحميل المسؤولية لكل من يغيب عن هذا المؤتمر.
تقول اوساط سياسية إن قرار تجنيب لبنان تداعيات ما يجري في سوريا رهن في الدرجة الاولى بموقف "حزب الله" كونه يملك السلاح الذي ينبغي الا يكون له وظيفة سوى التصدي مع الجيش والشعب لأي عدوان اسرائيلي، فإذا التزم الحزب ذلك يكون قد استعاد ثقة اللبنانيين به بعدما فقدها عندما ارتد هذا السلاح الى الداخل. وليس مطلوباً من "حزب الله" في الوقت الحاضر تسليم سلاحه الى الدولة، ولا وضعه حتى في تصرف الجيش ولا أن تكون الإمرة لاستخدامه لغير الحزب، إنما المطلوب من الحزب شيء واحد هو أن يعلن في بيان يصدر عنه أو في مؤتمر وطني، أن أمن لبنان واستقراره خط احمر وأن سلاحه لن يستخدم في الداخل لأي سبب من الاسباب وأياً تكن النتائج التي تسفر عنها الاحداث في سوريا. فهل يفعل إذا كان القرار له وحده أم انه لا يفعل لأن القرار ليس له وحده؟ 

السابق
عزلة إسرائيل من البحر الميّت!
التالي
الحياة: سليمان ووفد رسمي وآخر من 14 آذار وجنبلاط في الرياض لتعزية خادم الحرمين بوفاة الأمير سلطان