الاسلام العربي بعد الايراني والتركي

"الصحوة الاسلامية" هو المصطلح الذي تعتمده الدبلوماسية الايرانية حين تتحدث عن "الربيع العربي" او ما يسمى الثورات او الانتفاضات التي تشهدها اكثر من دولة عربية. وإيران واكبت هذا الربيع بمؤتمرات عقدت في طهران تحت عنوان "الصحوة الاسلامية". لكنها لم تدرج هذه الثورات على سوية واحدة، وبدت في المشهد السوري منحازة الى النظام السوري الحليف، إنحيازا لم تخلّ به المواقف التي صدرت عن اكثر من مسؤول ايراني يدعو الى الحوار بين المعارضة والنظام. ولم يقلل من شأن الدعم الايراني للنظام السوري، ماديا وسياسيا، إدانة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد، في حديثه الى محطة "cnn" الاميركية، عمليات القتل التي ترتكب من النظام وسواه في سورية. لكن الايرانيين، الذين استقبلوا الرئيس بشار الاسد في زيارة سرية قام بها الى ايران، ابلغوه ضرورة القيام بخطوات جدية على صعيد الاصلاح السياسي في بلاده، لكن هذه النصائح، بحسب مصادر ايرانية، لم تجد طريقا للتنفيذ بعد.

واذا كانت اسباب عدم الاستجابة السورية محل تقديرات مختلفة لدى المسؤولين الايرانيين، منها ما يتصل بأدوار خارجية تعتقد انها لا تشجع على استمرار النظام، ولو كان جادا في الاصلاح، واخرى ترى في الانزلاق الى المواجهات الدموية ما يعيق الاصلاح ويضعف قوة الداعين اليه، الا ان المصادر، التي تنفي قيام اي مسؤول ايراني بأي وساطة لحل الازمة بين النظام ومعارضيه، تؤكد وجود اتصالات كانت قائمة قبل الازمة ولم تزل مستمرة مع جهات وشخصيات سورية معارضة، وهي التقت بعضها في باريس مؤخرا.  
المأزق السوري الذي تحاول طهران التخفف من اعبائه، بالنصيحة دون الاخلال بقرار دعم النظام، وبالتشديد على معيار "المقاومة والممانعة" في تبرير الدعم والتأييد، لم تجد ضيرا في تهنئة الشعب الليبي وثواره الجدد على الخلاص من حكم القذافي، وإن تم ذلك بعون اميركي واوروبي عسكري صريح. إذ لم يستثر هذا المشهد الحساسية الايرانية، لكنه عبّر عن رغبة ايران في عدم الخوض بمعارك لا طائل منها، والانجرار الى مواقف تزيد من الاعباء عليها.

وبالعودة الى "الربيع العربي"، او ما تسميه القيادة الايرانية "الصحوة الاسلامية"، يمكن القول ان مرجعية الثورات العربية ذات طابع علماني له علاقة بشروط الحياة واشكالية الاستبداد. فالاسلاميون العرب يتظللون بالثورة ويعلمنون افكارهم، وهي ثورات في عالم الاسلام السني، تنطوي لدى المجتمع العربي السني على ارهاصات القطيعة مع المنظومة الفقهية التقليدية، او الفقه السلطاني بمعناه التسلطي. وهي ثورات تنطلق من حراك لم تكن المسألة الدينية من اولوياته. ويمكن تلمس هذه الارهاصات الفقهية في المواقف السياسية لحركة النهضة في تونس، وفي موقف حركة الاخوان المسلمين في سورية من الدولة المدنية والتعددية والديمقراطية، حتى التيارات السلفية في مصر تحاول ان تواكب التحولات وتتكيف معها. اما الثورة الاسلامية في ايران، التي نجحت في تقديم نموذج جهادي للعرب هو حزب الله، كانت بدأت بمضمون مدني ثم لبست بعد ذلك لباسا ايديولوجيا كثيفا ذا طابع شيعي، فالفقيه المنصّب من الامام الغائب، وبالتالي من النبي والله، ليس له مثيل في الادبيات السنيّة. كما ان الثورة الاسلامية ذهبت الى فكرة اسلمة المجتمع والاقتصاد، ولم تنجح في خلق نموذج جاذب على هذا الصعيد.

والثورات العربية تنأى عن اسلمة المجتمع وتنهمك في بناء منظومة فقهية تنسجم مع الدولة المدنية، وهي ثورات تخلق فضاءً جديدا يبشر بفقه سياسي جديد للحركة الاسلامية. على هذا الصعيد تبدو التجربة الاسلامية الايرانية، التي تتقاطع مع غيرها من الحركات الاسلامية العربية على العداء لاسرائيل، تتباعد مع هذه الحركات اليوم، على صعيد الرؤية لبناء الدولة والسلطة، تباعد مسافته بين الدولة الدينية والدولة المدنية.
باختصار، تبيّن أنّ الإسلام جزء من الحلّ بالنسبة لتونس، تماما كما هو جزء أساسيّ من الهوية، انه توق إلى "علمنة مؤمنة" والآتي في ليبيا وسوريا ومصر لن يكون مختلفا.
 

السابق
أم حسّان: خيّاطة الشعر التي سرقت اللغة من خلف حائط
التالي
آفة المخدرات.. ورشة لشؤون المرأة