أم حسّان: خيّاطة الشعر التي سرقت اللغة من خلف حائط

هي خياطة. قد يبدو الامر عادياً. هي شاعرة. لا يوجد في الامر من جديد… ولكن أن تكون الشاعرة أمية، تخيط الشعر وتحبك الكلمات بنمط إبداعي، بلغة عامية ، كلمات تستوحيها من خلال موسيقى ماكينة تطلق عليها اسم "المحبوبة"، فهذا يعني أنك أمام شاعرة من نوع جديد، شاعرة الحرف الناطق بلغة اللاحدود، الحرف الذي استرقته من خلف سور المدرسة، حفظته، ثم أعادت فكه تحت "سراج الكاز"، آخر الليل، حيث متنفسها من أعباء النهار المنزلية"…

من رحم اللاشيء ولدت مبادئ وخيوط الشعر العامي عند الحاجة ليلى رضا، إبنة بلدة البابلية ، تلك المرأة السبعينية، التي ألفت موسوعتها الخاصة واقتحمت الشعر من بوابته العريضة: "رغم أنني لم أدخل المدرسة ولم أتعلم فك الحرف". فالتقاليد القديمة كانت تحرم البنت البكر من التعلم لكي تتفرّغ لتربية أخوتها وتساعد في الأعمال المنزليّة، كإنجاز الغسيل والطبخ…".

ورغم تلك المعوقات نجحت أم حسان في تزويد نفسها بثقافة ذاتية، فكيف تعلمت أم حسان؟: "كانت المدرسة قرب منزلنا، وكنت اقف خلف السور أسترق العلم، أصغي جيدا الى المدرس، أسمع ما يقوله، أحفظه ثم أعيد قراءته آخر الليل على ضوء "سراج الكاز"، أهجّي الحروف وأعاندها حتى تتعانق مع روحي، وكانَ أول ما تعلمت تهجيته، جزء "عمْ" في القرآن الكريم، وقد وضعت نصب عيني أن أتعلّم، مهما كلفني الامر، كنت عاشقة الشعر الذي يطوف في أرجاء منزلنا، فالشعر عندنا يولد بالفطرة".

 
تعلمت أم حسان الخياطة والتطريز اليدوي: "فكانت آلة الخياطة متنفسي الروحي، كنت أخيط الملابس، وبقربي قلم وورقة، وكلمة عفوية أجود بها، فكم من مرة تركت الابرة لأرسم بالقلم لوحتي العفوية ، الآتية من علياء الروح، فتكون الروح العاشقة، أو الوردة المؤاسية للحزن، وغالبا ما تكون أنا… وهكذا بدأت أكتب الشعر، فكتبت عن المرأة من رحم معاناتها، وعن الحب كما لمسته ببراءته، لقد كانت الخياطة مدرستي التي أنكب عليها لأهرب من هموم الحياة، تفرج أساريري…. هي المتعة والابداع الخلاق، فالخياطة ملهمتي، أتألق عبرها واكثر ما يعزيني أن كلماتي تحولت الى نبض آخر لعشاقها".

تشبه نفسها بـ "ورق الخريف، كلما سقطت ورقة أينعت مكانها عشرات من أوراق كلماتي التي غذّيتها بثقافة الحياة، فجاءت متآلفة مع شعر عامي".

في منزلها تجلس أم حسان تتلقّن الثقافة، ولكن ليس عبر كتاب بل من خلف شاشة التلفاز: "لا أدع برنامجا ثقافيا ولا مقابلة إلا وأتابعها، فالتلفزيون منهلي الوحيد لصقل وتنمية قدراتي اللغوية "، وتروي كيف أصبحت تلقي أبيات الشعر في مناسبات الرثاء والفرح، وتختم بالقول: "أشعر أنني أمية بين سيل الشعراء الهادر المتعلم، ولكنني أدرك تماما أنني متميزة، ومتمرسة بما أجود به، لم أتعلم صحيح، ولكنني تقدمت عشرات الخطوات على هذا الدرب، وما حرمني القدر منه، قدمته لأولادي الذين نهلوا من العلم ما طاب لهم" .

تتبعثر الاوراق داخل الغرفة، قطع قماش تنجزها وكلمة تطلقها: "الخياطة والشعر هما توأمان لصورتي، عبرها أُفرج أساريري، أتعالى على هموم الحياة، فانا أشكي همي لماكينة الخياطة، فتأتيني المواساة بكلمات، وأحيانا أقف امام لوحة أرسمها بالوان حياتي، في خيال الطائر الآتي من البعيد، وتلك الصور تكون غلاف كتبي…". 

السابق
الانباء: بري لوالس هل عقدتم اتفاقاً مع الإسلاميين في المنطقة؟!
التالي
الاسلام العربي بعد الايراني والتركي