في مصر: أول انتخابات في الجامعات

دخلت أهرول إلى مكتب المسؤول الجامعي، تتملكني فرحة العام الجامعي الأول. أسير مع زملائي بثقة شابة لا ترى من الزمن سوى المستقبل. كنا نستعد لانتخابات اتحاد الطلاب، وكنت لا أزال في السنة الأولى لكني قررت خوض المغامرة مع زملاء سبقوني في تجربة العمل الطلابي. أصابني حماسهم، وتصوّرت أن الجامعة هي العالم الذي أحلم به. لكن المسؤول الذي استقبلنا بادرني بنظرة لم أنسها حتى اليوم، كانت أكبر من قدرة مراهقة تخطو إلى الشباب على الاستيعاب، وكأنه حمّلني أكثر بكثير مما تستطيع سنوات عمري أن تستوعبه. كان جافاً ومتربصاً، وقال أن ليس من حقي الترشح. منعني أنا وزملائي من إتمام الإجراءات بحجة أن لنا ميولاً سياسية! أحبط ذلك الرجل الذي لا أذكر اسمه حلمي بالمشاركة الجامعية الأولى، وأذاقني لأول مرّة طعم «القهر». لكن ذلك لم يمنعني من المشاركة في ما أريد، طوال السنوات الأربع كناشطة طلابية تفعل ما تريد وتقول ما تؤمن به.

ذلك العهد لم يعد قائماً الآن، فالجامعات المصرية التي تشهد عاماً دراسياً جديداً، تستعد جميعها لاختيار قياداتها بالانتخاب، للمرّة الأولى في تاريخ الجامعات المصرية. وقد شهدت عدّة كليات اختيار عمدائها بالانتخاب من هيئات التدريس فيها، أما المرحلة التالية فهي انتخاب رئيس الجامعة من «المجمع الانتخابي»، الذي يتكون من عمداء كليات كل جامعة، بالإضافة إلى عضوين أو ثلاثة من هيئة التدريس.
 
الانتخابات التي اعتبرها تيار الاستقلال داخل الجامعات بمثابة نصر تاريخي، جاءت نتائجها مخالفة للتوقعات. فمن ضمن سبع جامعات أجريت فيها الانتخابات، لم يفز سوى اثنين من «المعارضين» بمنصب رئيس الجامعة (جامعتا الزقازيق وبور سعيد)، وإن كانا غير مستقلين، حيث ينتميان إلى جماعة الإخوان المسلمين! والجامعات الخمس الأخرى عاد فيها رئيس الجامعة إلى منصبه أو القائم بأعمال رئيس الجامعة الذي تولاها بعد استقالة رئيس الجامعة، حيث شهدت الجامعات خلال الشهر الماضي موجة استقالات لرؤساء الجامعات تحت ضغط تيار الاستقلال داخل الجامعة.

أما المفاجأة الأكبر فكانت عودة رئيس جامعة القاهرة حسام كامل إلى منصبه الذي استقال منه قبل شهرين، بعد معارضة كبيرة لاستمراره فيه، لكنه عاد بالانتخاب وبالأغلبية!
نتائج الانتخابات الجامعية فرضت نفسها على المجتمع المصري بقوة. فإذا كانت الانتخابات قد جاءت بمن كانوا موجودين في السابق، وهم من يوصفون بـ«الفلول» بسبب انتمائهم إلى الحزب الوطني المنحل أو تحالفهم معه، فهل هي مقدمة لما سيحدث في الانتخابات البرلمانية؟ وهل سيتم تقسيم البرلمان ما بين «الفلول» والإخوان المسلمين؟ كما أن عودة القيادات نفسها بالانتخاب، تعني أن معارضيها في موقف ضعيف!

لكن على الجانب الآخر، يعتبر معارضو هذه القيادات أن ما حدث سببه السماح لعمداء الكليات وأعضاء هيئات التدريس فيها بالانتخاب، وهم الذين تم تعيينهم من قِبَل وزير التعليم العالي السابق والمنتمي للحزب الوطني، لذا فإن ولاءهم لرجال ذلك الحزب.
الجدل الدائر بقوة لن ينتهي قريباً، فلكل فريق حججه، لكن الواقع له شأنٌ آخر. فالقيادات القديمة عادت إلى مناصبها، والقيادات الجديدة تعلن ولاءها السياسي غير عابئة بتأثير ذلك على العملية التعليمية، والطلاب منقسمون ما بين راغبين في الانتهاء من دراستهم بسلام، كما يقول رائف طالب الصف الأول في حقوق القاهرة، معللاً ذلك بأنه يحلم بإتمام دراسته لاستكمال حياته، وما بين ثائر على الأوضاع التي تسببت فيها سياسات قديمة وفاسدة جعلت الجامعة مسرحاً لنفوذ الحزب الوطني ورجال أمن الدولة، كما يقول أسامة طالب الصف الثالث في تجارة عين شمس. لكن المؤكد أن الجامعات المصرية كلّها لن تعود كما كانت، مسرحا تمارس القوى التابعة للحزب الحاكم نفوذها فيه، فالطلاب الحاليون يعتبرون التظاهر والإضراب من آليات الدفاع عن حقوقهم التي لن يتركوها فريسةً لأي مسؤول بعد الآن. 

السابق
هزيم ترأس الدورة العادية للمجمع الانطاكي المقدس
التالي
بخار في المريخ !!