صرخة مهمة داخل أميركا

من المثير أن يتفهم الكثير من الأميركيين حالة الغضب والإحباط التي دفعت المصريين للاحتجاج بميدان التحرير، لكنهم لا يتفهمون مشاعر مماثلة دفعت إخوة لهم في الوطن يشعرون بالإحباط لـ«احتلال وول ستريت».
بالطبع توجد اختلافات؛ فشرطة نيويورك لا ترسل إبلاً لتدهس المحتجين. ربما يشعر أميركيون بالتمييز ضدهم، لكننا نعيش بالفعل في ظل ديمقراطية، وتلك الديمقراطية معيبة تمثل الأمل الأسمى لتطور مصر خلال الأعوام المقبلة.
بيد أنه جاءت مقابلات أجريتها مع محتجين في «زوكوتي بارك» داخل مانهاتن منسجمة مع مقابلاتي داخل ميدان التحرير في وقت سابق من العام الحالي. يوجد شعور موازٍ بأن النظام السياسي – الاجتماعي منحرف ضد الـ99%. وصف آل غور، الذي يدعم احتجاجات وول ستريت، هذه الاحتجاجات بأنها «صرخة مهمة داخل نظام ديمقراطي».

ولا ترتبط حالة الإحباط داخل أميركا بدرجة كبيرة بالسياسة والاقتصاد، كما الحال في دول عربية، على الرغم من أن هذه مباعث قلق أخرى. وتتمثل القضية الحساسة هنا في عدم المساواة الاقتصادية. ووفقا لتصنيف وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية للدول من ناحية عدم المساواة في الدخول، نجد أن الولايات المتحدة بها عدم مساواة أكثر من مصر وتونس.
وتُظهر ثلاثة أشياء عدم المساواة هذا:
* أغنى 400 أميركي لديهم مجتمعين صافي ثروة أكبر من أقل 150 مليون أميركي.

* يحوز أعلى 1% من الأميركيين ثروة أكبر مما لدى أقل 90%.
* خلال السياسة التوسعية لبوش في الفترة من 2002 إلى 2007، ذهبت 65% من المكاسب الاقتصادية إلى 1% من الأميركيين.
وكما أشارت زميلتي من صحيفة «نيويورك تايمز»، كاثرين رامبل، قبل أيام قليلة، فإنه في عام 1981، كان متوسط الراتب في قطاع الأوراق المالية داخل نيويورك ضعفي متوسط الراتب في وظائف القطاع الخاص الأخرى. وفي تقرير أخير في 2010، بلغ هذا المتوسط 5.5 ضعف. (وإذا أردت الشعور بالغضب، فلتعلم أن المتوسط حاليا يبلغ 361.330 دولار).
وعلى نطاق أوسع يوجد إحساس متنامٍ بأن الدخول غير المتوازنة نتيجة لسوء استخدام بعض الأباطرة للنظام والضغط من أجل ثغرات. ومن بين أعلى 100 مسؤول تنفيذي يحصلون على رواتب في الولايات المتحدة خلال 2010، أخذ 25 منهم صافي رواتب أعلى مما تدفعه شركتهم كضرائب دخل فيدرالية على الشركة، بحسب ما ذكره معهد الدراسات السياسية.
 
لقد جعلني العيش في ظل الشيوعية داخل الصين متحمسا شديدا للرأسمالية. وأعتقد أنه خلال القرنين الماضيين قامت المصارف برفع مستوى المعيشة بدرجة كبيرة في الغرب من خلال تخصيص رأسمال لاستخدامات أكثر كفاءة. ولكن كل من يؤمن بالأسواق يجب أن يشعر بالغضب؛ لأن المصارف تتلاعب بالنظام حتى تستفيد من الأرباح في أعوام الرخاء وتستفيد من حزم الإنقاذ وقت الشدة.
لقد تمكنت المصارف من خصخصة الأرباح، بينما جعلت المخاطر محل شراكة، ويعتبر ذلك نوعا آخر من السرقة المصرفية.

ويقول عمار بهايد، وهو خبير مالي في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة توفتس: «لدينا سوء تنظيم للنظام المالي على نحو كارثي. وتؤدي نتائج ذلك إلى تشويه الشركات الحديثة بالكامل».
لقد اعتاد اقتصاديون سد أنوفهم والإيمان بأن علينا قبول عدم المساواة بدرجة كبيرة كثمن للنمو القوي، لكن يشير بحث أحدث إلى عكس ذلك؛ حيث أظهر أن عدم المساواة له رائحة نتنة ويدمر الاقتصاد.
وفي كتابه الجديد المهم «اقتصاد داروين»، ذكر روبرت فرانك، من جامعة كورنل، دراسة تظهر أن من بين 65 دولة صناعية، فإن الدول التي بها قدر أكبر من عدم المساواة تشهد نموا أبطأ في المتوسط. وبالمثل فإن الدول تشهد نموا بسرعة أكبر في فترات تكون الدخول فيها أكثر مساواة، وتتباطأ عندما تكون الدخول غير متوازنة.

ويعتبر ذلك شيئا صحيحا في الولايات المتحدة؛ فقد تمتعنا بعدم مساواة في فترة تمتد من الأربعينات حتى السبعينات، وقد كان النمو قويا. ومنذ ذلك الحين ارتفع مقدار عدم المساواة وشهد النمو تباطؤا.
ومن الأسباب التي تقف وراء ذلك أن عدم المساواة مرتبط بأزمات وأوجاع مالية. وتوجد أدلة متزايدة على أن عدم المساواة يفضي إلى حالات إفلاس وآلام مالية.
وكتب أندرو بير وجوناثان أوستري، من صندوق النقد الدولي الشهر الماضي: «الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة، التي تعود أصولها إلى الأسواق المالية الأميركية، ربما نتجت بصورة جزئية، على الأقل، عن ارتفاع عدم المساواة». وقالا: «إن المساواة مكون مهم في تعزيز النمو والمحافظة على استدامته».

كما يؤدي عدم المساواة إلى وفيات مبكرة والمزيد من حالات الطلاق – وهذه تذكرة بأننا لا نتحدث عن بيانات هنا، ولكن عن بشر.
يرى بعض النقاد أن حركة «احتلوا وول ستريت» تلعب على شعور الرأي العام بالاستياء، وتذكي حربا طبقية، وبالطبع يوجد مقدار كبير من الحسد، لكن عدم المساواة هو أيضا بمثابة سرطان يضر الصحة الوطنية.
لا أعرف ما إذا كانت حركة «احتلوا وول ستريت» ستبقى عندما تملأ «زوكوتي بارك» الثلوج ويمر بعض الوقت، لكن آمل أن تبقى قضية عدم المساواة التي رفعها المحتجون داخل أجنداتنا الوطنية، وأن تظهر في العام الانتخابي 2012. 

السابق
الوطن السورية: المقداد في موسكو الخميس والراعي التقى الجعفري في نيويورك
التالي
أربع دول..وأربعة دروس مستفادة