أسئلة لا جواب عنها

محمّد حسنين هيكل والذين يتأثّرون به يريدون ثورات تقوم بها شعوب. حسناً، هذه ثورات قامت وتقوم بها شعوب. وهو أيضاً، ومعه من معه، يريدون لهذه الشعوب أن تنتصر وأن تنتصر بها الثورات. وهذا مطلب استطاعت بعض الشعوب أن تخدمهم فيه، على ما حصل في تونس ومصر، لكنّ شعوباً أخرى فعلت وتفعل كلّ ما تستطيع وقد لا تنجح في أن تلبّي لهم رغباتهم. ما العمل في بلدان كليبيا وسوريّة واليمن؟

بمعنى آخر، ماذا إذا ثارت الشعوب ولم تستطع بذاتها أن تحقّق الانتصار الصافي صفاء اللبن الأبيض كما يتمنّون؟

الجواب المتوافر لديهم: يجب ألاّ يحدث تدخّل أجنبيّ. حسناً. لكنْ ما الذي يجب أن يحدث في حال العجز عن حسم الصراع مع النظام؟

الجواب الوحيد المضمر الذي يمكن تقديره: التراجع عن الثورة أو الانسحاب منها وترك الفرصة للنظام كي يفتك بالشعب. وهذا، كما نعلم، من شيم الأنظمة المعنيّة.

هذا كلام واقفٌ على رأسه تغيب عن أصحابه (؟) معلومات مدرسيّة بسيطة من نوع أنّ صدّام حسين حكم العراق، نائباً للرئيس ثمّ رئيساً، من 1968 حتّى 2003، وأنّ القذّافي حكم ليبيا من 1969 حتّى 2011، فيما حكم حزب البعث سوريّة منذ 1963، وبعد سبع سنوات بدأ آل الأسد حكمهم المديد.

شعوب هذه البلدان لم تقف مكتوفة الأيدي في هذه الغضون. حاولت ولم يُكتب لها النجاح، ولا تزال تحاول بنجاح متفاوت. الانتفاضات والتمرّدات تلاحقت وسُحقت في معظم البلدان. في ليبيا، جاءت التجربة الأخيرة التي لا تزال طريّة، بليغة الدلالة: القذّافي كاد يطحن الثورة وأهلها ويقضي تماماً عليها وعليهم إلى أن كان تدخّل الناتو. أرقام الضحايا في سوريّة تتزايد نوعيّاً، والشيء نفسه يصحّ في اليمن.

مشكلة هذه الطريقة في التفكير التي لا تريد أن ترى هذا كلّه تنقسم ثلاثة أجزاء:

الأوّل، أنّ أصحابها يحبّون الاستراتيجيا والجيوبوليتيك وحساباتهما أكثر ممّا يحبّون الشعوب وحرّيّاتها وخياراتها. مرّة أخرى نحن أمام صياغة أخرى للنظريّة السوريّة الشهيرة في تجميع «الأوراق».

الثاني، أنّهم يكرهون أميركا أكثر ممّا يحبّون الشعوب. نعم، يمكن الخلاف مع أميركا في فلسطين والاتّفاق معها في ليبيا… اللهمّ إلاّ إذا كنّا حيال نزاع مطلق شامل يشبه النظرة الدينيّة إلى العالم ويستوحيها.

الثالث، أنّهم غير معنيّين إطلاقاً بتركيب مجتمعاتهم وقدراتها. هناك، في رأيهم، مجرّد «بيادق» على «رقعة شطرنج»، وهناك مؤامرات تهبّ علينا من كلّ حدب وصوب. لا الثقافة السائدة مهمّة. لا العصبيّات. لا تاريخ العلاقات والنزاعات الدينيّة والطائفيّة والإثنيّة. لا الأحقاد التي فاقمها الكبت والقمع… هذا كلّه اختراع مستشرقين يقف على رأسهم «الجنرال» برنارد لويس!

ينجم عن ذلك تفكير بائس يطرح الكثير من الأسئلة التي لا إجابات عنها… لكنّه لا يطرح أيّ سؤال واحد على النفس يكون موضوعه المسؤوليّة بما فيها شقّها الأخلاقيّ!

لهذا ليس من المبالغة القول إنّ مؤيّدي الثورات بشروط تعجيزيّة (انتصروا وإلاّ…)، هابطة من الفضاء على الأرض، حلفاء للأنظمة التي تشاركهم الانتماء إلى منظومة واحدة في الفكر والسلوك وإلى الحقبة البائدة إيّاها.
 

السابق
الخليج: لبنان يسعى لتمديد مهلة التمويل للمحكمة
التالي
هزيم ترأس الدورة العادية للمجمع الانطاكي المقدس