من المسؤول عن التحرش الجنسي بالأطفال

كانت فدوى تحب عمتها كثيراً، وتنتظر زيارتها لكي تبقى بقربها وتنام في فراشها طوال فترة بقائها في منزل عائلتها. استمرت ابنة السنوات التسع على عادتها حتى بعدما تزوجت عمتها، لا بل أنها أحبت زوج عمتها أيضاً، وظلت تنام بين الإثنين عندما يزوران العائلة.
في ليلة مظلمة، صحت الصغيرة بعدما شعرت بزوج عمتها وهو يدس يده في أماكن حميمة من جسدها. ما إن أحس الرجل بها تستيقظ حتى أغلق فمها بيده الأخرى وهمس في أذنها «ما تحكي شي لعمتك، بتزعل منك». سكتت فدوى ولكنها انسحبت من فراش عمتها بذريعة الذهاب إلى المرحاض، وعادت لتنام بين إخوتها.

كتمت فدوى سرها خمسة عشر عاماً إلى أن شاركت، كمساعدة اجتماعية، في ورشة تدريب على كيفية توعية الأطفال والأهل على حوادث التحرش الجنسي بالأطفال. يومها، روت ما تعرّضت له كمثال على حوادث كثيرة تحصل يحتفظ بها الطفل لنفسه، وسط جهل الأهل للمخاطر التي تحدق بأولادهم وللعوارض التي تظهر عليهم.
تقول فدوى إنه نتيجة لتحرّش زوج عمّتها، بقيت تتبول في فراشها حتى بلغت الثانية عشرة من العمر. هي تلوم والديها اللذين عالجا مشكلة تبولها بالضرب والصراخ، ولم يعرضاها حتى على طبيب صحة عامة. تتذكر كيف لامتها عمتها لأنها لم تعد تحبّ زوجها ولم تفكر أبداً بسبب التغيّر المفاجئ الذي طرأ على مشاعر الصغيرة تجاهه.

انتهاك يصيب 16% من الأطفال

وتفيد دراسة أجرتها منظمة «كفى عنف واستغلال»، بالتعاون مع «المجلس الأعلى للطفولة»، وموّلتها منظمة «غوث الأطفال السويدية»، أن 16.1 في المئة من ألأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ثمانية أعوام و11 عاماً في مختلف مناطق لبنان، قد تعرضوا لنوع واحد على الأقل من أنواع التحرش الجنسي. ولا تشمل النسبة إلا الحالات التي تم الإعلان أو الإفصاح عنها، علماً أنه في الغالب، تبقى معظم الحالات طيّ الكتمان لأسباب عدّة، أبرزها أن المعتدي غالباً ما يكون من المقربين من الطفل.
وتؤكد الدراسة تلك الحقيقة إذ تظهر أن معظم حوادث التحرش الجنسي تحصل في منزل الطفل، من قبل احد أفراد العائلة (الأب أو الأخ) أو الأقارب أو أصدقاء العائلة. وتبين أنه في الغالب، يكون المعتدي شخصاً يعرفه الطفل ويثق به، وتعتبره العائلة من الأشخاص الآمنين بالنسبة للعلاقة مع أولادها.

وتظهر معطيات الدراسة أنه لا توجد اختلافات في الخصائص الاجتماعية والديموغرافية للأطفال الضحايا الذين بلّغوا عن تعرضهم للإساءة الجنسية، لناحية نوع الجنس أو الدين أو المدرسة ، أو المستوى العلمي للأب، باستثناء زيادة ملحوظة لدى الأطفال العاملين، أو أولئك المنتمين لعائلات مفككة، بالإضافة إلى الذين يعيشون في منزل صغير جداً، أو منزل كبير جداً. وقد سبقت دراسة «كفى»، دراسة أجرتها وزارة العدل في العام 2003 تستند إلى سجلات المحاكم والشكاوى، بينت أنه يتم التبليغ عن ثلاث حالات سوء معاملة أطفال أسبوعياً، وان الاعتداءات الجنسية تشكل 58 في المئة من مجمل الانتهاكات بحق الأطفال.
وتطال التعديات الإناث بنسبة 66 في المئة، بينما تقتصر حصة الأطفال الذكور على 34 في المئة.
ولعل أبرز ما بينته دراسة وزارة العدل ان إثنين في المئة من المعتدين هنّ من النساء، بينما «يستأثر» الرجال بالنسبة الأكبر البالغة 98 في المئة.
 
التحرّش أنواع

وقد دفعت تلك المعطيات بكل من «كفى» و«المجلس الأعلى للطفولة» والمنظمة السويدية، إلى إطلاق مشروع «إلى الأمان سر» الذي يحتوي على جملة من الخطوات الهادفة إلى توعية المجتمع والأطفال والعاملين في الصفوف الأمامية معهم على التحرش الجنسي كانتهاك لحقوق الطفل وخطر محدق به، معرفاً بمظاهره وبوادره، وكيفية التعامل مع الطفل الضحية ومع عائلته.
ويتوزع المشروع على ورش تدريبية تستهدف العاملين مع الأطفال من مساعدات اجتماعيات في مراكز الخدمات الاجتماعية في بيروت والمناطق، وأخرى للجمعيات الفلسطينية العاملة في المخيمات وثالثة للمرشدين الاجتماعيين والصحيين في المدارس الرسمية، ورابعة للجمعيات التي تعتني باللاجئين العراقيين.
وتتركز الورش التدريبية على تعزيز المعلومات المتعلقة بالتحرش الجنسي وأنواعه، الذي يبدأ من لمس جسد الطفل وأعضائه بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وصولاً إلى الاتصال الجسدي الكامل مع الطفل.
ويمكن للتحرش أن يكون عبر النظر (كتعرية الطفل أو تعري المعتدي، وعرض صور إباحية)، أو عبر الكلام (كإسماع الطفل عبارات وأحاديث جنسية)، أو عبر التركيز المبالغ به على النمو الجنسي لجسد الطفل.
ويشير منشور «باسبور الأمان» الذي تخصصه الحملة للعائلة وللعاملين في الصفوف الأمامية مع الأطفال، على أنه «في غالبية الأحيان يكون المعتدي شخصاً من الصعب الشك فيه، يعرفه الطفل في محيطه وربما يكون قريباً أو صديقاً».
ويشير الباسبور إلى انه كلما كان المعتدي مقرباً من الطفل، ومن واجبه حمايته تضاعف الأذى النفسي على الضحية، وأصبح من الصعب عليها أن تتكلم عما يصيبها، سواء أكان الضحية طفلاً أم طفلة.

العوارض التي تظهر على الضحايا

ويقدم المنشور الخاص بالعائلة جملة من العوارض التي تظهر على الطفل وتؤشر إلى وجود تحرش جنسي يكتمه الصغير، بما يستوجب البحث في الأسباب.
وتتلخص العوارض – الإنذارات بتغيرات عاطفية تطرأ على الطفل، وتتمثل بالحزن والقلق والشعور بالذنب وتدهور في تقديره لذاته واضطراب في فهمه لصورة جسده. أما التغييرات الذهنية فتبرز عبر صعوبة في التركيز وتدهور في نتائجه الدراسية والتباس وضياع وأفكار انتحارية.
كما يصبح الطفل الضحية عدائياً ومنعزلاً وصامت بطريقة مرضية وتبرز لديه سلوكيات جنسية مبكرة. ويمكن ملاحظة التغييرات الاجتماعية عبر فقدان الطفل الثقة بالراشدين وخوفه من التقرب الجسدي ورفضه الخروج بمفرده. ومن بين التغييرات النفس – جسدية يلحظ المنشور الأرق والكوابيس المتكررة وأوجاع الرأس أو المعدة من دون سبب عضوي، وتغييرات مفاجئة في الوزن.
ويتعين أن تبرز كل التغييرات مجتمعة، وليس بعضها فقط.
وتشير المعلومات الموثقة إلى أنه غالباً ما لا تبدو أي آثار جسدية واضحة على الطفل الضحية، إلا أن التحرش الجنسي بالأطفال قد يؤدي إلى أمراض منقولة جنسياً على الأهل التنبه لها.

ما العمل في حال حدوث تحرش؟

بداية، لا بد من إفساح المجال للطفل للتعبير، والإصغاء إليه من دون لومه، وتصديقه وتفهمه وطمأنته إلى أنه يأخذ الخيار الصحيح والأسلم بالتبليغ، والتأكيد بأنه لا يحقّ للمعتدي القيام بما قام به، وبأنه ليس مذنباً في ما حصل معه، وعدم التقليل من حجم المشكلة مع عدم تصويرها على أنها مصيبة، وتقديم الحماية للطفل وتلبية حاجاته وتأمين المتابعة العلاجية الصحية والنفسية له. وينصح المنشور الأهل بضرورة مراقبة نمو أطفالهم بصورة منتظمة ويقظة وعدم التردد في استشارة مختصين إذا احتاج الأمر لذلك.
وبطريقة مبسطة، تخصّ الحملة الأطفال أنفسهم بكتيب توعوي يعلمهم كيف يحترمون أجسادهم ويحمونه من أي اعتداء خارجي، والمحافظة على خصوصيته وتغذيته والاهتمام بنظافته ومداواته في حال المرض، عبر استعراض الخيارات السليمة في تمارين تطبيقية مبسطة وعبر رسوم محببة للأطفال.
ووفقاً للدراسات العالمية التي أنجزتها منظمتا الصحة العالمية واليونيسف تبين ان 150 مليون فتاة في العالم و73 مليون صبي دون الثامنة عشرة من العمر تعرضوا لتحرش وعنف جنسيين في العام 2002.
 

السابق
وفد من رابطة أهالي مخيم النبطية عند اسامة سعد
التالي
إكتشاف صاروخ من مخلّفات الإحتلال في خراج راشيا الفخار