هل يتحمل لبنان تداعيات سوريا؟

يطول الحديث في مجلس دبلوماسي عن المحطات الأسبوعية الجديدة التي تتطور من خلالها الأوضاع في سوريا نحو الأسوأ، بحيث ان النظام لم يعد قادرا على التراجع عن إجراءاته العسكرية والسياسية والدبلوماسية، ولا المعارضة التي شكّلت مجلسها الإنتقالي في الخارج قادرة على البت بخطواتها المستقبلية، وكل ذلك يجري من دون ان يتمكّن أحد من تقديم سيناريو منطقي لمستقبل الأمور في عاصمة الأمويين يشكّل مخرجا للنفق – المأزق الذي دخلته البلاد.

والسبب في ذلك، يعترف احد الدبلوماسيين الغربيين المخضرمين بالقول، انه أمر منطقي ومقروء بعناوينه العريضة. فلكل طرف من طرفي النزاع اسلحته ومصادر القوة التي يستمد منها قدرته على المضي في كل اشكال المواجهة المفتوحة على شتى الإحتمالات.

ولا يتطلع اي منهم الى مكامن الخلل في تركيبته ونقاط الضعف التي يمكن ان تشكل مقتلا في لحظة من اللحظات التي لا يمكن من اليوم الحديث لا عن شكلها ولا عن توقيتها.

وعليه، تجمع المراجع الدبلوماسية بمخضرميها والجدد، على اعتبار ان نهاية الأحداث في سوريا لمصلحة أي من طرفي الصراع في الداخل ومحيطه الإقليمي والدولي ليست قريبة، وان المواجهات الجارية ما هي سوى جولات من العنف تتنقل بين المناطق على خلفيات عميقة يتداخل فيها الإقليمي مع الطائفي والمذهبي. ولذلك يجمع الدبلوماسيون على قراءة يستند من خلالها طرفا النزاع في مواجهتهم الى العناصر الآتية:

مكامن قوة النظام

على مستوى النظام السوري يستند النظام الى مكامن القوة المتمثلة بالعناصر الآتية:

– وحدة الجيش السوري وقيادة الأركان، فعلى رغم الحديث عن بعض الإنشقاقات في الجيش، فإنها لم تصل بعد الى مستوى الضباط من القيادة الوسطى في الجيش. فلواء الحرس الجمهوري بات يُعد اكثر من 150 الفا بعد جمع الألوية الصديقة لقائده ماهر الأسد في عدد من المحافظات، وباتت لكل ضباطه وجنوده علاوات شهرية خاصة. ولم تكن الترتيبات التي اتخذت على مستوى وزارة الدفاع ورئاسة الأركان في الجيش سوى لتعزيز السيطرة عليه، وضمان بقائه الى جانب النظام.

– وحدة إدارة الحزب والدولة، فعلى رغم الحديث عن مناقشات بين القيادتين السياسية والحزبية، لم يسجل إعتراض أي من القياديين على توجهات "القائد"، لا في السلك الإداري، ولا في الدبلوماسي، ولا العدلي… ولم تسجل حتى اليوم سوى استقالة محافظ واحد في حماة وإعتبرت تجربة فاشلة لم تتكرر الى اليوم. 

– رسمت الخارجية السورية حدودا مسبقة لشكل التعاطي مع السلك الدبلوماسي في سوريا مباشرة بعد "الغلطة" الدبلوماسية التي ارتكبت مع السفارتين الفرنسية والأميركية، ما عطّل كثيرا من المخاوف الدبلوماسية والحجج التي كان يمكن الإنطلاق منها الى عقوبات دبلوماسية اقسى.

– رهان القيادة السورية على الإنقسامات العربية كان في محله، وهي بخياراتها السياسية السابقة تركت خطوط التواصل مع عدد من الأنظمة العربية التي وفّرت لها الحماية في آخر إجتماع لوزراء الخارجية العرب. وما تحديد الموعد لبعثة الجامعة العربية لزيارة سوريا بعد غد الأربعاء، سوى محاولة لإستيعاب ردة الفعل السلبية مسبقا، وللبقاء على تواصل مع الجامعة العربية، فقطعت الطريق على بعض المشاريع، وأقلها ما كان مطروحا لجهة مشروع تجميد عضوية سوريا في الجامعة.

– الرهان على التغيير السياسي الذي شهده لبنان وتكوين الأكثرية الجديدة من حلفائها، ما جعل لبنان حكومة ومؤسسات وأحزابا مؤسسات إضافية، توفّر للنظام التغطية السياسية والإعلامية التي يفتقدها على اكثر من مستوى.

– الرهان على المتغيرات الدولية ومنها الإنسحاب الأميركي من العراق نهاية السنة الجارية، ودخول بعض الأنظمة الكبرى في حمأة انتخاباتها الرئاسية وفي مقدمها الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا.

… ومكامن قوة المعارضة

اما المعارضة السورية فهي تستند على العناصر الآتية:

– الرهان على قدرات المجتمع الدولي ونتائج الحراك العربي الذي قضى على انظمة مماثلة من تونس ومصر الى ليبيا وصولا الى التجربة اليمنية، والتي يمكن من خلالها التنظير ببلاغة عن "النظام الديكتاتوري" في سوريا.

– اللعب بنجاح على عناصر الخلاف التي تتسع لها المحافظات السورية، ففي كل منها ما يكفي من الأسباب لإشعال الثورة في مواجهة النظام والحزب، فلا فصل بين الأمرين عند السوريين، ولا تمييز ما يؤدي حكما الى توفير الدعم لحركة اعتراضية في الشارع لا تحتاج الى كثير من الدعم لتستيقظ وتنفجر على الأرض.

– خروج الجيش السوري من ثُكنه الى الشوارع وبدء الضباط السوريين الكبار بإستشعار أهمية ادوارهم التفاضلية التي يمكن ان ترتد يوما ما على القيادة السياسية، وما ارتفاع نسبة الإنشقاقات في الجيش إلاّ بوادر انتفاضة عسكرية تراهن عليها المعارضة وتعزز من اتصالاتها ببعض المواقع التي تبدي إستعدادا وتجاوبا من وقت لآخر مع طروحات المعارضة في ضؤ سلبيات جريان الدم في بعض الشوارع.

خلاصات متناقضة

وبمعزل عن كثير من الأسباب التفصيلية التي يراهن عليها الطرفان، فإن المراجع الدبلوماسية تتبادل كثيرا من المعلومات عن بدايات تشقق في صفوف القوى التي تساند النظام في سوريا، كما على مستوى المعارضة، على وقع سلسلة من مشاريع التفاهمات والصفقات التي يمكن ان تعزز، في حال تحقيقها، الشقوق في النظام السوري أو العكس، وهي امور يمكن توقعها من خلال التجارب السابقة التي عجلت في سقوط النظام الليبي بعد المصري، وبمجرد استعادة التطور الذي شهده الموقفان الروسي والصيني من الوضع في ليبيا مثلا، يمكن عندها الولوج الى استشراف المرحلة المقبلة في سوريا.

والخطير في كل هذه المقارنة ما يمكن ان ينعكس على الساحة اللبنانية، فقد وافق كثيرون من الدبلوماسيين على مضمون آراء الخائفين على الوضع الداخلي في لبنان، سواء انتصر نظام الأسد، او العكس، قياسا على حجم الإنقسام الداخلي، والمؤشرات تتعزز يوميا وتوحي بعدم القدرة على استيعاب النتائج لمصلحة الدولة اللبنانية ومؤسساتها.
 

السابق
استدار جنبلاط..إبحث عن جيف !!
التالي
من الأمن إلى الانتخابات