بشار سيرحل لكن ليس غدا او بعد غد

على حبل المشنقة. زين العابدين فر بروحه من تونس في اللحظة الاخيرة. حسني مبارك في قسم مغلق في مستشفى. لا احد يمكنه أن يخمن اذا كان موته سيأتي قبل أن يقرر القضاة حكمه. الدكتاتور اليمني علي صالح اصيب بشدة في محاولة اغتيال وخيل للحظة اننا تخلصنا منه ولكنه مصر على الامساك بالحكم. معمر القذافي امتشق من انبوب المجاري وصفي.

القاسم المشترك: عميان عن رؤية الواقع، الدكتاتوريون الذين لم يعرفوا كيف يشخصونلحظة الحقيقة انتهوا بطريقة لم يحلموا بها. من الصعب التصديق انه لم تمر سنة منذ اندلاع الربيع العربي، واذا بهم ينصرفون ثلاثة حكام عرب، ويترنح اثنان آخران، واسامة بن لادن يصفى، والمتظاهرون لا يتركون الميادين. من الطبيعي فقط الاشارة الان الى بشار الاسد. من يتذكر أنه أعد لنفسه حياة مهنية لطبيب عيون متنقل بشراكة زميل سعودي واستعد لحياة ملياردير؟ العالم تأثر به، وفي سوريا طوروا اوهاما عن حياة جديدة بعد الدكتاتورية العنيفة لابيه، حافظ الاسد، الى أن شرحوا لبشار كيف ينبغي له أن يتصرف وكيف أنه لا حاجة له لان يأبه بالمواطن الصغير، وتبددت الاحلام في ظل موجات الاعتقالات وعربدة الفساد. وقد تعلم كيف يكذب، فتح جبهة مع الملك السعودي، دخل في مغامرات مع مفاعل نووي وتلقى ضربة، فتح سورية أمام قاتلي جنود امريكيين في العراق ـ وفجأة بطريقته غير الذكية، عشق السلطة.  
بعيون غربية، أنهى بشار حياته السياسية قبل أربعة ـ خمسة اشهر، ويغلق على نفسه، في زمن مستقطع، داخل القصر. ومثل سجنائه، لا يمكنه أن يخرج من المكتب الا في مناورات تضليل، ومحيطه يحذر من حمام دماء. لا جدال في أن القيادة في دمشق لن تتنازل بسهولة، وحتى اذا كان الاسد يريد الانصراف فانه اسير في أيدي أصحاب الامتيازات.
اسم اللعبة: البقاء بقوة العصابة التي تحتفظ بالرئيس ـ رؤساء الطائفة العلوية، قادة الجيش والاجهزة، التجار الذين اغتنوا من الارتباط بين المال والسلطة ويجنون الملايين من التهريب والخاوة. واضح لكل واحد منهم انه اذا ما حزم الاسد حقيبته، فانهم سيسيرون نحو المجهول.
بشار هو الاخر يفهم بان هذه ليست سوى مسألة وقت. المواطن السوري لا يصدق أي كلمة له، والاصلاحات التي يقترحها ولدت متأخرة جدا وهي معوزة لكل مؤشر بتغيير حقيقي. ليس له حليف في العالم العربي. الغرب ينظر اليه بعين شاذة، وهو يحمل جهاز التوقيت. مجلس الحكم البديل يجتمع خارج سوريا بتشجيع أمريكي، استضافة تركية ورفقة من الاسرة الاوروبية.
حتى اشعار آخر، الحرس الثوري الايراني مجند لحمايته. سوريا بشار هي ملعب لطهران، مسار قصير لحزب الله، بوابة أخيرة لعصابات الارهاب. من جهة، غزل خالد مشعل وقيادة حماس ـ دمشق للحكم العسكري المصري وقصر الملك الاردني يشهد على ما يعرفونه عن وضع بشار. من جهة اخرى تلقى مشعل ضوء أخضر من الايرانيين للبحث عن عنوان جديد. هذا جيد لحماس، هذا مجدٍ لايات الله. وكما يبدو الامر، فان أربعة الاف متظاهر صفوا في ميادين سورية بالدم البارد والالاف الذين اختفوا في سبعة اشهر لا يبررون بعد تحويل سورية الى ساحة مواجهة مع ايران.
بقدر ما هو معروف، فان عشيرة الاسد هربت الكثير من ملايين الدولارات الى جنوب امريكا، وهي ستكفي بشار، اسماء واطفالهما الثلاثة ليعيشوا في مستوى معيشي مدلل على مدى سنوات طويلة. ولكن التجربة من سنة الربيع العربي تفيد بان الدكتاتوريين لا يدركون لحظة الحقيقة. دون تدخل قوات اجنبية لا أمل للسوريين في التخلص من بشار. هو على بؤرة الاستهداف، هو سيرحل، ولكن اذا لم يرتكب الخطأ الذي سيكلفه حياته، فان هذا لن يحصل غدا أو بعد غد. 

السابق
الحاج حسن :الربيع العربي هو ربيع فلسطين وانصهار الأمة في بوتقة واحدة
التالي
كهرباء نظيفة من الهواء الساخن