استدار جنبلاط..إبحث عن جيف !!

تشير الأحداث المسجّلة في المنطقة حتى اللحظة، الى أن المراوحة والجمود النسبي سيكونان عنوان المرحلة على الساحة الداخلية في لبنان، خصوصاً مع وجود قراءات متناقضة للأفرقاء حيال الأزمة في سورية. ففي حين ترى المقاومة وحلفاؤها أن القيادة السورية قطعت شوطاً كبيراً في تجاوزها للأحداث، يراهن فريق "14 آذار" على أن ثمة قراراً دولياً قد اتخذ لإسقاط الحكم القائم في دمشق، وهو يضع كل بيضه في سلة هذا الرهان وبالتالي لا يطيق الانتظار حتى يتحقق ما يصبو إليه.

هذه الحال أو ما يجري في المنطقة، ينعكس إرباكاً يظهر بوضوح في التصريحات والمواقف الصادرة عن رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط. لكن هل ما نطق به جنبلاط خلال مقابلته التلفزيونية الأخيرة حول سورية والوضع الداخلي، مرده الى تأرجحه بين الخيارين أعلاه ـ بكل نيّة طيبة ـ أم أن في الأمر "إنّة"؟

تقول مصادر تسنى لها الإطلاع على رحلة جنبلاط إلى بنغازي قبل نحو أكثر من شهر، إن هذه الزيارة شكّلت بداية نقطة التحول في مواقف الرجل، كاشفة عن أن من رتّب الزيارة ووضع جدول أعمالها هو مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان أو "الصديق جيف". وتقول إن جنبلاط عاد الى لبنان موعوداً بصفقات نفط وإعمار سخية، وتحدثت عن أنه عاد محملاً بأكثر من 150 مليون دولار كـ"دفعة على الحساب".

هل هذا كل ما في الأمر؟ "لا"، تجيب المصادر، وتشير إلى أن جنبلاط وُضع في أجواء ما يحضّر لسورية، حيث قيل للرجل إن الرئيس السوري بشار الأسد لن يستطيع البقاء في موقعه بعد القرار الدولي بتنحيته، وإن سقوطه سيتحقق خلال فترة غير طويلة. أيضاً قيل له إن المطلوب منه على المستوى الداخلي هو أن "لا يقطع" مع فريق 8 آذار أو على الأقل مع الجهة المقررة داخل هذا الفريق، لأن وجوده داخل فريق الأكثرية الجديدة مع سلوكه أداء معرقلاً لتوجهاتها السياسية يفيد أكثر مما لو قرر ترك هذا الفريق واللحاق من جديد بصفوف "14 آذار".

نُصح رئيس الاشتراكي بالسعي الى أن تبقى خريطة القوى السياسية في لبنان على ما هي عليه محكومة بتوازنات دقيقة، يلعب هو دور ضابط الإيقاع فيها ومد علاقات مع الجميع. وقيل له إن أي خلل في موازين القوى على الساحة السياسية في لبنان سيفرض عليه حسم خياراته، ما سيضعه في موقف حرج.

انطلاقاً مما تقدّم، لا يبدو الحديث عن نيّة استقالة وزراء جنبلاط من الحكومة منطقياً. وللتهديد بالاستقالة حكاية أخرى، فقد أُسمع جنبلاط ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي كلاماً واضحاً وصريحاً مفاده بأن كثرة التهديد بالاستقالة لم تعد تجدي نفعاً. حزب الله وكذلك التيار الوطني الحر والحلفاء، لم يعودوا متمسكين ببقاء الحكومة وان تحوّلها الى حكومة تصريف أعمال يزيح أعباء كبيرة عن كاهلهم.

بالعودة الى جنبلاط، فقد بعث الرجل مؤشرات عدة تدل على أنه آخذ بالاستدارة ولكن ببطء بانتظار اللحظة المناسبة. وعملاً بـ"نصيحة" الصديق جيف فإن المرحلة الجنبلاطية الراهنة هي مرحلة التأرجح بين المواقف، وبانتظار استقرار الأحداث في سورية والمنطقة، بعث جنبلاط برسالة مفادها انه على الحياد ويحتفظ بعلاقات متوازنة مع الجميع.

غير أنه وعبر إطلالته التلفزيونية الأخيرة، قال إنه لن يكون مع القيادة السورية ضد "الثورة"، وهذا ما بدا واضحاً من خلال إجابته على أسئلة محاوره. حيّد حزب الله عن "التحويلة الموقتة"، وقال إنه سيقف مع المقاومة بشروطه. غازل الملك السعودي كثيراً ووصفه بأنه "رجل إصلاحي"، في حين هاجم النائب في كتلته أكرم شهيّب أخيراً السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي.

داخلياً، قيل إن جنبلاط التقى رئيس تيار المستقبل سعد الحريري في باريس لأكثر من 3 ساعات. التقى أيضاُ "عدة شغله" القديمة في كتلة اللقاء الديمقراطي وعلى رأسهم النائب مروان حمادة بوصفه أحد صقور "14 آذار" المعادين للمقاومة ولسورية. في علاقاته مع أركان الأكثرية، هاجم حلفاءَ حزب الله الأساسيين كالحزب السوري القومي الاجتماعي، والتيار الوطني الحر بشخص رئيسه العماد ميشال عون. قبل هذا وذاك، هاجم البطريرك بشارة بطرس الراعي على خلفية مواقفه من الأحداث في سورية ومصير المسيحيين في المنطقة، وروّج لفكرة الحياد مقابل تحالف الأقليات، خصوصاً بعد وقوف الدروز في سورية الى جانب القيادة السورية، متناقضين تماماً مع توجهاته.

يخوض جنبلاط معركته الداخلية بعنوانين أساسيين: تأييده لتمويل المحكمة الدولية الذي يعارضه حزب الله وحلفاؤه، ومعارضته لقانون النسبية وهو ما يؤيده حزب الله وحلفاؤه. ففي العنوان الأول، تقول مصادر مقربة من جنبلاط كانت قد رفضت كل ما تقدم حول رحلة بنغازي، إن جنبلاط يراعي حزب الله في مسألة المقاومة حصراً، أما في ما خص الأمور الداخلية فيتخذ موقفه بحسب أهمية الموضوع وطبيعته. أما بخصوص العنوان الثاني، فتقول المصادر إن موضوع قانون الانتخابات النيابية يقلق جنبلاط، فهو يرفض قانون النسبية ويبقي على خط اتصال مع المعارضة خصوصاً تيار المستقبل ليضمن عدد نوابه، ولا سيما في إقليم الخروب.

وفيما يبدو جنبلاط متنقلاً بين حبال المواقف منتظراً لحظة حسم مواقفه نهائياً، يقول مصدر في الأكثرية النيابية إن جنبلاط يلعب دور "البهلوان في السيرك السياسي اللبناني"، محذراً من أن هذا الدور يتطلب دقة ومهارة فائقتين، لأن أي "دعسة ناقصة" تؤدي حتماً الى "فك الرقبة" في أحسن الاحتمالات.  

السابق
حزب الله يسمح للقوى الامنية بحرّية الحركة في الضاحية !!
التالي
هل يتحمل لبنان تداعيات سوريا؟