نهاية بشعة لديكتاتور بشع

جثة ملك ملوك افريقيا وامغار صحرائها, والقائد الجماهيري السابق الذي ملأ الدنيا وشغل الناس طيلة اربعة عقود من الزمن العربي المستباح , كانت هي الفصل الاخير لحكاية احد الطغاة الذين تتكرر حكاياتهم ونهاياتهم المأساوية ولكن دون ان يتعظ احد للاسف , لقد كانت النهاية المأساوية استحضارا واستنساخا لنهايات مأساوية رسمها العقيد ونظامه لمعارضيه وكل من فكر بمعارضته ولولفظيا , لم يرحم العقيد احدا ووصف شعبه بمختلف الصفات والنعوت المعيبة والمنكرة بدءا من " الكلاب الضالة " وليس انتهاءا ب " الجرذان " والحشاشين والجواسيس.

عقيد مستهتر ومصاب بالبارانويا الحادة وبكل امراض الدنيا النفسية لم يسلم حتى رفاقه في انقلاب الفاتح الاسود عام 1969 من شروره فكانت نهاياتهم اغتيالا وتشريدا كعمر المحيشي وغيره من الاسماء المعروفة.
لقد حول ذلك الديكتاتور البشع ليبيا بامكاناتها الاقتصادية والسياسية والطبيعية الهائلة وبشعبها الطيب والصبور مزرعة لتجاربه الخاصة والفاشلة ولنزواته المريضة واستهلك ثرواتها وبدد كل امال وخطط التقدم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وادخل البلد والشعب في تجارب سياسية مراهقة بدات من امانة القومية العربية وانتهت بقيادة ملوك افريقيا وقبائلها.
لقد رسم العقيد خط النهاية بنفسه باستهتاره واحتقاره لشعبه وللفكر المعارض ومارس طيلة اربعة عقود ثقيلة عروضا كاريكاتيرية سوداء رسمت لوحات سوداوية من الفوضى السوريالية على الواقع الليبي المر, جثة العقيد المدماة والملقاة على رمال صحراء سرت بعد عملية اعدامه تتشابه الى حد ما وجثة الديكتاتور الروماني السابق واخر الشيوعيين " نيكولاي شاوشيسكو" وزوجته ايلينا المدماة والملقاة على ثلوج بوخارست عشية عيد الميلاد عام 1989 ! واوجه الشبه في كون الجثتين تشكلان نهاية حقبة وبداية حقبة جديدة في ليبيا لا ندري كيف تكون مواصفاتها وشكلها ? هل ستكون وفقا للمواصفات العراقية الفاشلة ? ام ستكون وفقا لسياقات حضارية وسياسية جديدة نتمنى ان يطبقها الاخوة في ليبيا بعيدا عن عقلية الثأر والانتقام والتطرف والاغراق في استعراض المواقف الايديولوجية , نهاية الطغاة واندحارهم وهزيمتهم وحتى تقطيع اوصالهم ليست مشكلة بل المشكلة تكمن في اليوم الذي يلي ذلك, وفي الخيارات المستقبلية الموضوعة , وفي رسم خارطة المستقبل.

لقد قتل العقيد القذافي بأيدي الشباب من الجيل الذي عاصره واسهم اعلامه وثقافته في تربيته ونشوءه! ما يعني ان التربية والثقافة الشمولية لا توفر حصانة لاهلها ابدا بل تشعل نيران الفوضى والتوتر والهياج والعداء الاجتماعي الشامل , جثة العقيد المدماة والممزقة بالرصاص وجثث ابناؤه وتشرد عائلته هو الخط الواضح لمسيرة جميع الحكام الطغاة الذين نصبوا من انفسهم الهة بشرية تعبد بينما هم في حقيقتهم اضعف انواع البشر ويعيشون في حالة انفصال عن الواقع ? لنتذكر جميعا الحالة المزرية التي كان عليها الدكتاتور العراقي السابق صدام حسين لحظة اعتقاله في جحر مشابه نوعيا لجحر العقيد الليبي الاخير , وصدام سلم من القتل والاعدام الفوري لان معتقليه كانوا من الاميركيين , ولكنه لو وقع بأيدي خصومه من العراقيين فلن يبق لجثته اثر بكل تأكيد.
مقتل العقيد الجماهيري بتلك الطريقة البشعة خسارة تاريخية وارشيفية لحقائق ومعلومات رهيبة كان يمكن معرفتها منه فيما لو خضع لاستجواب ومحاكمة تاريخية ? ولكن اطراف دولية واقليمية عديدة وخطيرة تتنفس الصعداء بعد اعدامه بالكيفية التي جرت ? لان العديد من الاسرار الرهيبة والتحالفات الشيطانية الشريرة بل اوراق اللعبة الدولية القذرة يراد لها ان تبقى حبيسة دوائر الارشيف او المخابرات الدولية او الصدور التي تحتويها وقد اخذ العقيد اسراره وخباياه ومصائب نظامه معه للابد بعد ان طوي الملف

وحتمت المصلحة غلق صفحته نهائيا ومسح ايامه وذكراه من ذاكرة التاريخ..! , اندحار الطغاة وهزيمتهم وفضيحتهم من حتميات التاريخ وحقائقه المعروفة وسنته التي لا تعرف التبديل اوالتغيير , وجميع الطغاة تتشابه مصائرهم وطرق نهاياتهم ومهرجانات جثثهم, ولكن العالم العربي اليوم امام منعطف تاريخي حاسم قد يحدد صعود الامة الحضاري وارتقائها المستقبلي اوقد يرسم طريق الانهيار النهائي! والتشتت والانقسام , وذلك ما ستقرره الايام المقبلة بكل احداثها ومنعطفاتها وتعرجاتها وحتى مفاجآتها , نهاية العقيد الدكتاتور رسمت خطوطا حمراء واضحة للبقية الباقية من طغاة الشام الذين يتهيأ الشعب السوري الحر بثورته التاريخية للقصاص منهم ومحاسبتهم على جرائمهم التاريخية بحق الشعب والامة , فهل يرعوي اهل الارهاب في الشام ويتركون الساحة للشعب السوري ليقرر مصيره قبل ان يقرر مصائرهم ? ذلك هو التساؤل التاريخي الاكبر… ففي النهاية كل الطغاة الى سعير , وسلام الله على الاحرار والمجاهدين من اجل الحرية والسلام.  

السابق
مصادر 8 آذار إذا كان رأي جنبلاط أن الخوف قد سقط ضد الأنظمة العربية فهذا يجب أن يسري في الجبل!
التالي
هزيم: مسيحيو سورية أقلية و بدنا السترة