لماذا كل هذه الضغوط على سورية؟

منذ أكثر من سبعة أشهر، وسورية تتعرَّض لحملة كونية لم يسبق لها مثيل في محاولة للنيل من مواقفها الوطنية والقومية، وبالتحديد موقفها الممانع مع المقاومة، والتمسُّك بثوابت وطنية وقومية، أصبح من المسلّمات في النهج والمسار الذي تسلكه سورية، فبعد أن كانت سورية هي البوابة التي دخلت منها تركيا إلى المنطقة العربية طوال عقد من الزمن، أصبحت تركيا المدخل الرئيسي لكل الضغوط الغربية على الدولة العربية الوحيدة، التي لا تزال في حالة حرب مع الكيان الغاصب لأرض فلسطين، وبذلك أفصحت تركيا عن وجهها الحقيقي، وعن حقيقة الدور التركي الذي يكشف عن حقيقة ارتباطاته مع الدور الأميركي ـ الغربي، والدور الصهيوني، وبعد أن حوَّلت تركيا حدودها مع سورية إلى جبهة مواجهة، تضاف إلى جبهات المواجهة مع العدو الصهيوني من جهة الجولان، ومع الولايات المتحدة الأميركية من جهة العراق. إضافة إلى المجموعات الإرهابية التي يحركها الغرب والصهاينة من ناحية لبنان والأردن.
إن الحرب التي تشنّ على سورية، ما هي إلاّ مدخل لتفتيت المنطقة وفق سايكس بيكو جديد، يقسِّم المقسم ويجزِّئ المجزأ، بعد التمزق الخطير في الصف العربي الواحد، وبعد أن تنصّلت معظم الدول العربية من عروبتها وأصبحت فلسطين بذلك شأناً خاصاً، الغاية منه عزل القضية الفلسطينية عن محيطها العربي.

قبل حوالى العقدين من الزمن، كتب باحث عربي يقول:

"النظام العربي دون أي نظام إقليمي آخر في العالم، يواجه تهديداً عسكرياً جاداً ومصيرياً، هو التهديد الصهيوني، الذي لا يقبل أقل من الإذعان الكامل للغرب ـ دولاً وشعوباً ـ والهزيمة الكاملة للأهداف الاستراتيجية العربية، رغم هذا لا يوجد شعور بالخطر الحقيقي، الذي هو مسألة حياة أو موت، ولا إدراك لجماعية وشمولية التهديد، بل على العكس، ينعدم شعور البعض بالخطر، بينما يتوهَّم آخرون بأن الحماية متوفِّرة من خلال روابط "استقطابات دولية، وهكذا انكفأت الدول الأكثر فاعلية لتركز على أمورها الداخلية، لا على العمل العربي المشترك، ما قاد إلى عجز النظام الإقليمي العربي كله".

"جيش ديمقراطي.."!؟
وللتدليل على ذلك، فقد تناقلت وكالات الأنباء العالمية أخيراً رسالة شفوية نقلها الصهيوني الفرنسي برنار هنري ليفي إلى رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، مفادها أن النظام الجديد في ليبيا، سوف يعترف بـ"إسرائيل" وتذكر المعلومات، أن هذا الصهيوني البشع، قد لعب دوراً محورياً في الترويج للاعتراف الدولي بالمجلس الانتقالي الليبي وهو نفسه أيضاً صاحب نظرية تقول بأن "جيش الاحتلال الصهيوني هو من أكثر جيوش العالم ديمقراطية"!!
إشارة إلى أن هذا الصهيوني نفسه، عقد في باريس تجمّعاً لدعم المجموعات الإرهابية في سورية، في هذا الوقت كشفت عدة وثائق دبلوماسية أميركية صدرت عن السفارة في دمشق، بأن المعارضين السوريين في الخارج تلقوا أموالاً من برنامج المنح المالية، الذي تشرف عليه وزارة الخارجية الأميركية، والذي يدعى مبادرة الشراكة الشرق أوسطية، ووفقاً للتسريبات، فإن وزارة الخارجية قدّمت المال لمجموعات المعارضة، عبر "مجلس الديمقراطية" الذي هو منظمة مقرها في لوس أنجلوس، ووفقاً لموقعها على شبكة الأنترنت، يعمل القائمون على المجلس بدعم عناصر المعارضة في المجتمعات المستقرَّة، في كل من الشرق الأوسط وآسيا، وأميركا اللاتينية".

كما أن هناك شراكة بين ما يعرف بمركز دمشق لحقوق الإنسان، والمركز الأميركي الوطني للمنح من أجل "تعزيز الديمقراطية"، وهو يتلقى التمويل مباشرة من الولايات المتحدة، بينما تتلقَّى مراكز حقوق الإنسان الأخرى تمويلها من المجلس الديمقراطي والمعهد الجمهوري الدولي، هذا إضافة إلى ما تقوم به المملكة السعودية ودوحة النفط في قطر، والمجموعات اللبنانية المرتبطة، والتي على علاقة مباشرة مع سياسيين لبنانيين مدعومين من قبل السعودية، وقبل هذا وبعده الدور الصهيوني ومجموعات الإخوان المسلمين… كما ترجمت هذه الضغوط عملياً من خلال التدخُّل الأميركي السافر في الشؤون الداخلية السورية، بدءاً من تسلّل السفير الأميركي إلى مدينة حماه، والزيارات المشبوهة والتحركات المريبة لهذا السفير وخصوصاً بعد ازدياد حدَّة التصعيد الأميركي استغلالاً للأوضاع التي تمر بها سورية، مع فرض سلسلة من العقوبات الأميركية والغربية بدأت في أيار من العام الحالي، بفرض حظر على تصدير أسلحة ومعدّات إضافة لعقوبات طالت القيادة السورية، كما طالت عدداً من المؤسسات الاقتصادية السورية الهدف منها تركيع سورية، وحرفها عن مسارها القومي، للنيل من المقاومة وخط الممانعة والصمود.
الاصلاح والقناعات..
ومن الملاحظ، أنه بعد مضي هذه المدة، وبعد سلسلة من الإجراءات والخطوات الإصلاحية التي أعلن عنها الرئيس بشار الأسد، وبعد النجاح الملحوظ في مواجهة المجموعات الإرهابية، والمخططات المعادية، نرى أن وتيرة الضغوط ازدادت وكلما اقتربت الأوضاع من الهدوء والاستقرار، يزداد الضغط الخارجي، الذي تقوده أميركا وبعض الغرب وبعض المستعربين، حتى لا نقول بعض العرب، وبات هذا المشهد جلياً وواضحاً أمام الكثير من أبناء الشعب العربي في سورية، التي راحت تتظاهر في أكثر من مدينة سورية مؤيِّدة الإصلاح، ومندِّدة بالإرهاب، وشاجبة للتدخل الخارجي. وحتى للتدخُّل العربي بغطاء الجامعة العربية، مع إدراكها العميق بأن الهدف من هذه الضغوط والتدخلات هو الوصول إلى خلق حالة من الفوضى، تفرغ الحراك السياسي والاجتماعي والمطلبي من مضمونه، وتمنعه من الوصول إلى النتائج المرجوَّة في تحقيق الإصلاح والتغيير الذي تنشده كل فئات الشعب.
إن الردّ الحقيقي على أولئك الذين يحاولون الاصطياد في الماء العكر تجلَّى بما أفصح عنه سفير سورية لدى الجامعة العربية، حين فاتحهم بالقول إن سورية بلد له سيادته، وشعبها يرفض كل أشكال التدخُّل في شؤونه، وهو مستمر في مسيرة الإصلاح والتغيير، ولا يحتاج إلى من يقرّر مصيره نيابة عنه، ويعتبر الحوار هو الحل ليكون الإصلاح نابعاً من قناعة الناس، ومتوافقاً مع طموحاتهم. ولأن مسيرة الإصلاح يجب أن تتم بعيداً من الضغوط، وهي بحد ذاتها تتطلب مناخاً حوارياً هادئاً، نرى أن المتربصين شراً لا يريدون لهذه المسيرة أن تأخذ طريقها، لأن الهدف ليس دفع الإصلاح وإنما، إسقاط النظام، وبالتالي إسقاط سورية، واستبدالها بسورية جديدة، تدور في الفلك الأميركي الغربي، وهذا الحدث لا يتحمَّل أسئلة افتراضية، لأن المسألة مكشوفة بأسبابها ونتائجها وقواها وأساليبها ولأن من يطلب العون من أميركا وأوروبا ومن الخارج، وقد ارتمى بأحضانه، لا يمكن أن يؤتمن على مصير شعب أو مصير وطن.
إن سورية بوعي شعبها وأصالته، وصدق انتمائه وتمسكه بثوابته وبقيمه سيفشل المؤامرة، وهو إذ يتصدَّى لها بإيمان مطلق بعدالة مطالبه وصحة نهجه، ويقدِّم في سبيل ذلك القرابين والشهداء، دفاعاً عن مبادئه، سيواصل مسيرة الإصلاح وستخرج سورية أكثر صلابة ومنعة من أي وقت مضى، كما أن معالجة الفقر والفساد والبطالة وحالة النمو، هي ليست المقدمة للحرية الديمقراطية والعدالة فحسب.. بل هي المدخل الذي لا بد منه.  

السابق
ما لم يفهمه النظام الأسدي
التالي
معالجة أزمة الأمن الغذائي في الصومال