إضراب الحركة الأسيرة في فلسطين

"هذه الساحة من حيفا هي ساحة محررّة"، يقول أحد الشبان المعتصمين ضمن تحرك "جائعون للحريّة" في يومه العاشر، والذي انطلق تضامناً مع الحركة الأسيرة ومعركة الأمعاء الخاوية. 10 من شبان وشابات الداخل الفلسطيني المحتل مضربون عن الطعام في مدينة الكرمل، حيث قرر هؤلاء نصب خيامهم في "ساحة الأسير"، كما أطلقوا عليها، لينضموا إلى نضال أسراهم، وذلك ضمن نشاطات يومية تبدأ بالتظاهر ولا تنتهي بالندوات السياسية والأمسيات الفنّية، بمشاركة تطوعية من فنانين وموسيقيين ومسرحيين.
في الطريق من عكا إلى "ساحة الحرية" في حيفا، يتجمع عدد من الشبان والشابات، ليجوبوا في مسيرة صامتة بعنوان "السجن مطرح الجنينة" في شارع البهائيين في حيّ الألمانية، معصوبي الأعين ومكبلي الأيدي. وذلك في خطوة رمزية تحاكي ظروف الاعتقال.

تلت المسيرة الصامتة أمسية للفنانة الفلسطينية ريم بنّا، التي جاءت من الناصرة بعد اعتصامها المستمر منذ الأحد الماضي، في التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر 2011. يومها خرجت بنا إلى "ساحة العين" في الناصرة رافعة لافتة بيضاء كتب عليها بالعربية والانكليزية: "مضربة عن الطعام تضامناً مع 6000 أسير ومعتقل فلسطيني وعربي في سجون الاحتلال منذ 27/9/2011، تضامنوا معهم.. جوعهم جوعنا".
وكانت ريم بنّا أضربت عن الطعام لمدة 6 أيام، رغم أن وضعها الصحي لا يسمح لها بذلك، كونها تخضع لعلاج كيميائي، إلا أنها أصرّت على القيام بهذه الخطوة. "ليس من المعقول أن أقدّم أغاني كثيرة للأسرى، ثم أظلّ في بيتي في هذه الظروف". تقول ريم التي وجدت حلاً لوضعها، فهي ملتزمة الإضراب والعلاج اليومي. في زيارتها السبت الماضي إلى مدينة نابلس ومشاركتها في الاعتصام التضامني مع الحركة الأسيرة، قدّمت ريم فقرة موسيقية. هناك طلبت منها أمهات الأسرى التوقف عن إضرابها عن الطعام، "حلّفوني بالأسرى والشهداء"، تقول.
لا شك أنه، وفي ظلّ السياق الذي نعيشه تاريخياً في فلسطين أو خارجها، تقع على الفنان مسؤولية مساندة قضايا شعبه فعلياً وليس بالتنظير فقط. تعتبر ريم بنّا أن هذا هو واجب عليها. تحمل لافتة وتنزل إلى الشارع، لأن كلّ من سيمر سوف يتساءل عن سبب وجودها، وبالتالي سوف ينضم متضامنون أكثر إلى الساحة. هكذا كانت بداية خيمة الاعتصام في مدينة الناصرة. برأي ريم، على المؤسسات الفلسطينية استغلال عامل وجود فنانين في المعارك المختلفة من أجل استقطاب كثيرين لدعم قضايا الفلسطينيين. كما أنها ترى أن التضامن والإضراب المستمر لهما تأثير معنوي ووقع كبير على الأسرى في معركتهم.

رغم صعوبة الإضراب عن الطعام، إلا أن الذي حثّ ريم بنّا على المضي فيه هو التفكير بالأسرى خلف القضبان. تتخيل عيونهم محدقة إلى السجّان لتلاحقه حتى في أحلامه، معتبرة أن السجّان هو أسير السجن أيضا لأنه محاصر.
ريم بنّا التي وصلت إلى خيمة "جائعون للحريّة" ليل الاثنين افتتحت أمسيتها، كعادتها، مع تهليلة "يا ليل ما أطول"، ثم أغنية "ذات يوم" (كلمات الشاعر الفلسطيني سميح القاسم)، ثم أغنية "يا كرمل الروح"، وهي أغنية كتبتها والدة ريم الشاعرة زهيرة صبّاغ إلى إبنها حين كان معتقلاً في "سجن الجلمة"، وقد أهدت ريم الأغنية إلى خيمة الاعتصام في حيفا، إضافة إلى أغان أخرى، قبل أن تختم الأمسية بأغنية "يا طالعين الجبل" والمهداة إلى الأسرى. لكن ألحّ عليها المعتصمون غناء "سارة"، الأغنية التي كتبتها والدتها حين استشهدت الطفلة سارة عبد الحق بالقرب من نابلس ولحنّتها ريم بنّا، وكذلك أغنية "صمت الليل"، قبل أن تعود وتختم الأمسية بأغنية "أناديكم" للفنان أحمد قعبور.

"أنا معجبة بخيمة حيفا"، تقول ريم بنّا التي ترى أن هذه الخيمة الذي يتواجد فيها معتصمون من كافة الفئات السياسية، أمر ليس سهل التنفيذ في الداخل الفلسطيني المحتل، وما صنعه الشباب في حيفا رغم بساطته هو تأكيد أن قضية الأسرى أهم من الأحزاب والحركات السياسية. "أن يتواجد 10 مضربين عن الطعام وسط حيفا، هي حركة بحدّ ذاتها تشكّل قنبلة لكلّ من في حيفا. إذ إنها تقول بأننا هنا، وليس هنا فحسب، بل نحن مضربون عن الطعام تضامناً مع أسرانا الذين يعرّفهم الاحتلال بأنهم إرهابيون"، تضيف.
1027 أسيراً ضمن صفقة تبادل الأسرى سيخرجون إلى الحرية، إلا أن إضراب الحركة الأسيرة ما زال مستمراً. ترى ريم بنّا أن صوت الفلسطيني خارج القضبان يجب أن يكون هو نفسه صوت من يقبع خلف القضبان، وأن الأسير الذي سوف يتم تحريره يقع بين المطرقة والسندان؛ فهو سيلتقي بالحريّة إلا أن عواطفه ممزقة لمجرد ترك رفاقه في الأسر. لكن لريم بنّا، ولكلّ معتصم ومتضامنة مع الحركة الأسيرة أملا كبيرا بتحرير كلّ الأسرى والمعتقلين. فالمسيرة ما زالت مستمرة، والمعتصمون سيستمرون في الغناء: "والنصر قرّب من عينينا".  

السابق
إقفال تقاطع مفترق كفرجوز…منعاً لحوادث السير
التالي
العثور على أقدم دليل للحياة على الأرض