أحياناً…في خبر كان

أصبح القذافي هناك في خبر كان، نهاية شنيعة له ولمقربين منه. حرص على كل شيء فأُخذ منه كل شيء أَخْذَ عزيز مقتدر. الحدث يدفع للتأمل والتفكير… بين مشهدين، مشهد بالأبيض والأسود لشاب يخطب وسط جموع من الهاتفين المؤيدين أوائل ثورة الفاتح وهو مبتسم في نشوة من الفرح، ومشهد آخر بعد أربعين عاماً بالألوان ذليلاً جريحاً ثم جثة دامية تتناوشها الأيدي والكاميرات. بعضُ أبناءِ وربما إخوةِ مَن شهد مشهد الأبيض والأسود قبل أربعة عقود، هم أبطال المشهد الملون أول من أمس.

الطغيان والاستبداد والاستئثار من أسباب التحول، لكن الملاحظ أن الشاب الذي تحول إلى زعيم ثورة بعد قتله «رفاقاً» عارضوه، افتقد ابتسامته، كما افتقد التواضع، استبدلهما بالألقاب وملابس غريبة ملونة يتبختر فيها بصلف وغرور. حقاً… من تواضع لله رفعه، وهو يمهل ولا يهمل.

لا يختلف اثنان على أن القذافي كان شخصاً ذكياً ومراوغاً من الطراز الأول، يستند في هذا الاستنتاج إلى قدرته على التخلص من استحقاقات دولية مثلما تملص من استحقاقات داخلية، تمكن من شراء الوقت ومزيد من الوقت، وفيما كان الداخل الليبي يخضع للنار والحديد والتشريد، باعه الغرب مزيداً من الوقت، وشاركه في إعمار دمره لاحقاً ليعمر من جديد بعقد وتوقيع جديدين.

بقي من أثر القذافي «الثقافي» – إن جاز التعبير، خلاف مهزلة الكتاب الأخضر ورواية او مجموعة قصص «القرية القرية» التي كشفت نفاق نقاد ودور المال والسلطة في ما يسمى الثقافة – فقط سؤاله الاستنكاري، «من أنتم»؟ سؤال يحتاج إلى تحليل وتقصٍّ، هذا السؤال يخبر عن حالة غيبوبة أو وهم، كما وصف شخصيته رفيقه اللدود عبد السلام جلود. السؤال الكبير «من أنتم؟» يثير أسئلة متقافزة، أكثر مما يحض على الإجابة، من كيف؟ إلى هل ولماذا؟ كان في سؤال… من أنتم؟ حضور مختلط لدواخل شخصيته ما بين الدهشة والاحتقار، لم يستوعب الثائر القديم الثوار الجدد، توهم انه استعبد الناس واحتكر الثورة فانفجرت فيه. ومع الذل تحول هو وأبناؤه إلى أشلاء. أي نهاية بائسة مثل هذه يخرج الناس لها فرحين مستبشرين؟ أي زعامة تلك يتحول فيها مقتل الزعيم إلى عرس؟ إنه الوهم الذي تبدد.  

السابق
هزيم: مسيحيو سورية أقلية و بدنا السترة
التالي
حزب الله يتكيف مع جنبلاط