ارادة الشعب

صفقة تحرير غلعاد شليط لم تكن تختلف في جوهرها عن صفقات سابقة بين اسرائيل واعدائها. عمليا كررت بدقة المسار المعروف الذي بموجبه اسرائيل تحرر مئات السجناء مقابل اعادة جندي واحد او جنود قلائل.
حقيقة أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وافق على التوقيع على صفقة من هذا النوع، تتعارض تماما وفكره المعلن، كفيلة بان تدل على أن اليد التي وقعت على الصفقة وان كانت يد نتنياهو الا ان الخيوط التي حركتها، مصدرها الجمهور الاسرائيلي. الان بالذات، بعد أن أصبحت الصورة التي يوجد فيها جلعاد في بيته مع عائلته واقعا ملموسا، يمكن القول ان تحققها تم بفضل حقيقة ان قصة شاليط بقيت في الوعي الجماعي الاسرائيلي على مدى خمس سنوات وأربعة اشهر. الحملة الجماهيرية المتواصلة لتحريره تبينت ناجعة، وان كان بدا في نقاط زمنية معينة أنها خرجت عن السيطرة، او كبديل اختفت في افق اليأس.

ولكن، نجاح الحملة في التوقيت الحالي ليس صدفة. احتجاج الصيف، الذي بدأ في قصة الكوتج واسعار السكن، ضم اليه لاحقا حلقات اضافية من المجتمع الاسرائيلي. في كل المظاهرات الجماهيرية التي هزت ميادين اسرائيل احتلت مكانا مركزيا قصة شاليط ايضا، سواء في اليافطات التي رفعت أم في الهتافات العالية التي اطلقت. في نهاية المطاف، لم ينقضِ وقت طويل الى أن انخفضت اسعار الكوتج؛ الى أن اعيد غلعاد شليط الى بيته.
عمليا، ويكاد يكون دون تحفظ، قرر الجمهور الاسرائيلي تجاوز الطريقة الديمقراطية التمثيلية الدارجة، وأقام مثابة ديمقراطية مباشرة، طريقة تستند الى قائمة مطالب تفصيلية تتلى في ميادين اسرائيل وتنفذ بشكل مباشر من أصحاب القرار.
الكنيست الـ 18 بالذات، التي تتميز بسلسلة تشريعات مناهضة للديمقراطية، مهمتها الخفية هي اضعاف قوة المواطن الاسرائيلي في صالح تعزيز الاطار الايديولوجي القومي، تضطر الى ان تنفذ رغم أنفها ارادة الشعب، حتى لو كانت هذه الارادة تتعارض وفكرها. هذه ليس مفارقة، هذا هو الدرس الذي يلقنه الشعب لممثليه.  

السابق
القذافي.. يا لها من نهاية
التالي
جورج وسوف بخير