إيران والحرب في الشرق الأوسط

يتأمل المراقبون بحماسة منقطعة النظير التطورات المتسارعة في الشرق الأوسط , فربيع الثورات العربية فاجأ العالم, وأظهر للمرة الأولى في التاريخ نموذجاً عصرياً من الصراعات الإقليمية هو مزيجٌ معدلٌ وراثيا ً من الحرب المسلحة والحرب الباردة. إنه : "حرب الثورات "الموجهة بالاستخبارات, ولا شك أن هذا الشكل من الصراعات موجود سابقاً منذ الأزل لكن ليس بهذه المواصفات والامتدادات الإقليمية المخيفة بحيث يقف الحلف الرباعي (الإيراني السوري اللبناني العراقي) في وجه دول المنطقة الأخرى و خاصةً المملكة السعودية وتركيا , فإيران ومن خلال خلاياها التي استفاقت من النوم أشعلت منذ أشهر نيراناً خمد بعضها والأخر بدأ يثور, بدءً بدول الخليج والعراق مروراً بالتصدي غير المشروع لثورة الشعب السوري عبر حزب الله في لبنان , وإنتهاءً بالدعم العسكري الكبير لحزب العمال الكردستاني بحيث تمكن من تنفيذ عملية نوعية داخل الأراضي التركية , والملفت للإنتباه في "حرب الثورات" الشرق أوسطية مايلي:

أولاً : أنها حربٌ علنية – غير استخباراتية صرف – ودليل ذلك مايلي : إن السذاجة والخفة التي إتصفت بها محاولة اغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة كانت مفاجئة للرأي العام والحقيقة أن الأدلة المؤكدة لتفاصيلها تجعلنا نميل للجزم بأن إيران أصبحت تنتهج ستراتيجية جديدة هي: (اللعب على المكشوف) وذلك اولاً : بالتزامن مع التهديدات الصريحة للحلف الرباعي(الإيراني السوري اللبناني العراقي) وثانياً : بالتعاقب مع العملية الصريحة بنواياها لحزب العمال في تركيا و الفتن التحريضية ضد الأنظمة في المنطقة .
ولهذا مثلما هو من الخطأ بمكان الاستخفاف بالنفوذ الاستخباراتي لفيلق القدس , فإنه خطأ أكبر الاستخفاف بالنوايا العدوانية لطهران .
ثانياً : أن "حرب الثورات" هي حرب هجومية من جانب واحد وإن ادعت إيران خلاف ذلك باتهاماتها لمنظمة "مجاهدي خلق" الإيرانية بدعم حركة التظاهرات في المدن السورية وأنها على علاقة مع المعارضة السورية – الحديثة التجربة – لتقديم الخبرات الديبلوماسية لها, فإن الحقيقة الساطعة أن الحرس الثوري الإيراني هو من يصول ويجول في سورية وليس مجاهدو خلق , كما أن معارضين سوريين كانوا على اتصال بديبلوماسيين إيرانيين .
وعلى النقيض فإن تركيا ودول الخليج أعلنت التصدي بحزم للإعتداءات والمؤامرات التي تحدث على اراضيها, والايام المقبلة كفيلة بكشف مستوى التسلح والتنظيم الذي وصله حزب العمال الكردستاني في شمال العراق من خلال المواجهة التي يستعد لها مع الجيش التركي , لاسيما وأن الحزب قد كشف بجلاء عن نواياه واستعداداته العسكرية.

فالتحديات الجدية وغير المسبوقة ضد وجود الأنظمة البائدة في المنطقة قلبت معاييرالصراع إلى صراع خارج حدودها, فإن كانت دول الربيع الأولى تونس ومصر وليبيا ذات نفوذ إقليمي معتدل, فإن دول الحلف الرباعي ذات نفوذ عابر للمنطقة بحيث أنها تمتلك أوراق ضغط حقيقية في السياسة الدولية , وفي ظل هذه المتغيرات الإقليمية تتزايد احتمالات انتهاء الحرب الباردة الخليجية, ومن الطبيعي أن تتزايد مخاطر الانزلاق نحو أعمال إنتقامية عدائية متبادلة يصعب التكهن بأبعادها.  

السابق
جنبلاط ومرحلة تغيير شاملة
التالي
عندما يُكشف المستور!