مشيمش…سجين رأي في عهدة القضاء

إدعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر على الشيخ حسن مشيمش في "جرم التعامل مع العدو الاسرائيلي والاتصال به ومعاونته على فوز قواته من خلال اعطائه معلومات عن المقاومة في مقابل مبالغ من المال". وهو ادعاء يبقى امر اثباته او نفيه رهن القضاء. والجدير ذكره ان هذا الادعاء يأتي بعد تسليم السلطات السورية الشيخ مشيمش الى السلطات اللبنانية بعد احتجاز دام 16 شهرا قضى ما يقارب العام منها في سجن انفرادي لاقى خلاله صنوف التعذيب في اقبية المخابرات ولا يحتاج القارئ الى التفصيل في هذه الصنوف. الغريب ان السلطات السورية التي كما نعلم ونسمع لا تميز عمليا بين السلطة القضائية والامنية عموما فكيف في ملف يتصل بالعمالة لاسرائيل؟
ففي 21 آب 2011، أصدرت محكمة الإحالة الأولى بدمشق قراراً قضى بإعلان عدم إختصاص القضاء السوري للنظر بقضية الشيخ حسن مشيمش وبإطلاق سراحه فورا.

وفي الرواية المنقوصة والمنشورة التي جرى تسريبها من قبل "فرع المعلومات" كما اوحى مضمونها، تقوم على رواية معروفة ومتداولة لدى كل معارف الشيخ مشيمش والمتابعين للقضية وكاتب هذه السطور منهم، وهي معروفة خصوصا من قبل حزب الله، الذي كان الشيخ مشيمش قد قدم تقريرا موثّقا بما جرى معه في المانيا اثر عودته وقبل سنوات من اعتقاله، ويبدو ان هذا التقرير وسواه استغل اسوأ استغلال وصار ضده بدل ان يكون لصالحه. ولم يغادرالشيخ الى المانيا بعد ان طلب اليه حزب الله عدم السفر.

وفي الرواية المجتزأة والموجهة، فانها تقوم على علاقة الشيخ مشيمش مع الشيخ محمود النمساوي، فما لم تذكره ان الشيخ محمود النمساوي درس في مدينة قم الايرانية ثم قدم الى مدينة النبطية في مطالع العقد الماضي وكان مقربا من امام مدينة النبطية الشيخ عبد الحسين صادق ثم سكن لاكثر من سنة عند فضيلة القاضي الشيخ جمال فقيه وهو رجل دين دخل الى لبنان عبر المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى وكان معروفا بالنبطية من قبل الجميع ويمارس نشاطه الديني، وما زال حتى هذه اللحظة ناشطا في اوساط الجالية اللبنانية في المانيا ويتواصل هاتفيا مع العديد من اصدقائه من رجال الدين حتى اليوم وليس كما حاولت الرواية قوله، انه قدم خصيصا الى الشيخ مشيمش.

 اللافت ان "فرع المعلومات" بحَثٍّ وتنويه من حزب الله، نجح وتفوق على المخابرات السورية، اذ بدا ان ما حققه في اربعة ايام من تاريخ تسلمه ما لم تحققه اجهزة الامن والقضاء السورية خلال عام واربعة شهور، والا ما معنى حكم الافراج الفوري عنه في سورية. حقق ذلك بقوة تبادل الخدمات الامنية، ما دام الشيخ مشيمش ليس له وزن في الحسابات السياسية وهو حصة شيعية يتولاها الحاكم بامرهم. والجدير ذكره ان لا جديد في المعطيات التي كانت متوفرة لفرع المعلومات ومديرية المخابرات في الجيش اللبناني قبل اعتقال الشيخ مشيمش في سورية خصوصا ان هذا الفرع كان قام في العام 2010 باستدعاء نجل الشيخ مشيمش والتحقيق معهما على خلفية الاتصالات وعاد وافرج عنهما بعدما احتجزا لمدة اسبوع. فما الذي استجد اليوم؟

وما جاء في الرواية المسربة لتبرير الاتهام (ان المخابرات الاسرائيلية لا تستمر بالتواصل مع عملائها بواسطة الهاتف) وهذا واضح عند اعتقال اي عميل فعلي، اذ تأتي الاجهزة الامنية لتصادر اجهزة الاتصال المتطورة والمخبأة عادة بشكل امني وهذا طبعا لم يحصل بموضوع الشيخ مما يؤكد مرة جديدة ان موضوع التعامل هو من نسج الخيال ..

اما مقولة ان يتلقى رجل دين (اذا صحت الرواية) من رجل دين آخر اموالا كان قد صرفها عليه حين وجوده في لبنان فامر اقلّ من عادي. اما الاسئلة عن حزب الله والجندي الاسرائيلي رون اراد والقيادي عماد مغنية، فهي من الاسئلة البديهية التي قد يسأل اي مواطن لبناني عنها، وانا منهم ،في احد المطارات العربية او الغربية وحتى في لبنان فكيف اذا كان رجل دين شيعيا؟
من الممكن ان تكون اجهزة الموساد على درجة عالية من الغباء ولكن ليس لدرجة محاولة تحصيل معلومات خاصة جدا بحزب الله من شخص ابتعد عن الحزب منذ اكثر من عشر سنوات(1995) لدرجة الخصومة بل بالعكس رأينا هذه الاجهزة تخترق شخصيات امنية وبمواقع القرار داخل الحزب لانها هكذا تستحصل على المعلومات المخابراتية.
أن الملابسات التي أحاطت بإخفائه القسري في السجون السورية طوال أشهر مديدة، ثم رفع القضاء السوري يده عن هذه القضية وتلزيمها الى السلطات اللبنانية، وما كان في ما بين ذلك من تدخل حزب الله للضغط على عائلة الشيخ وعلى أصدقائه وتلطيخ سمعته وسواه من الذين يختلفون معه، إنما هي جزء لا يتجزأ من هذه القضية وأخشى ما يخشونه ليس أن يصدر القضاء العسكري اللبناني حكماً، كائناً ما كان، بإدانة الشيخ مشيمش بل أن يُدفع هذا القضاء الى إصدار حكم لا يليق بسمعته. ان مربط الفرس هو مجابهة العقائد التي يحملها حزب الله اي الاختلاف الفكري والسياسي، بحسب ما جاء في رواية الاتهام المسربة. ولذلك يحتسبه اهله واصدقاؤه سجين رأي في عهدة القضاء اللبناني ويُلزمون أنفسهم بمتابعة قضيته حتى ظهور الحق بشأنها. بادرتها بيان يمهد لاطلاق تحرك يحمي القضاء من سطوة السياسة واحقاد بعض النفوس. 

السابق
الحكومة بين قاب قوسين… ولبنان إلى أن ؟؟
التالي
إنجاز حماس نصراً كاملا