بعد شاليط…هل يُكشف لغز رون اراد؟

تؤكد أوساط ديبلوماسية مطلعة في لبنان أن إطلاق الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الذي ظل محتجزا في قطاع غزة خمسة أعوام مقابل إطلاق 477 فلسطينيا في الضفة الغربية وقطاع غزة في إطار عملية تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة "حماس"، فتح الباب على مصراعيه أمام العودة للبحث في ملفات مفقودين وأسرى آخرين لدى الطرفين، وعلى رأس هؤلاء قضية الطيار الإسرائيلي رون اراد الذي فقد في لبنان عام 1986 عندما أُسقطت طائرته التي كانت تزرع الموت والدمار فوق منطقة شرق صيدا.

ووفق معلومات خاصة لـ"الجمهورية" أن قضية رون اراد التي اختفت عن المسرح الإعلامي منذ أعوام كانت حاضرة دوما في كواليس اللقاءات والاجتماعات التي تواصلت بين جهات أمنيّة ألمانيّة وجهات إيرانية، وحتى سوريّة، في الوقت الذي ظلّت فيه المخابرات الإسرائيلية تسعى إلى معرفة مكان اراد ومصيره بوسائل متعدّدة، منها الاتصالات التي ما زالت مستمرة لليوم من خلال رسائل إلكترونية تدعو اللبنانيين إلى إعطاء معلومات قيّمة عن رون اراد مقابل عشرة ملايين دولار، كما أنّ إسرائيل جنّدت العشرات من الجواسيس والعملاء للعمل في هذا الإطار، وهذا ما كشفته التحقيقات التي أجريت مع عدد من عناصر عملاء الشّبكات الإسرائيلية التي تهاوت على أيدي مخابرات الجيش وفرع المعلومات في لبنان منذ عام 2009.

لقاءات في ألمانيا

وأشارت الأوساط الديبلوماسية المطلعة إلى أن لقاءات عدة عقدت أخيرا للبحث في مصير رون اراد بين جهات ألمانيّة وجهات إيرانيّة في برلين أواخر الصيف الماضي، وأن اللقاءات أثمرت عن تقدّم ملحوظ في هذا المجال، كون الألمان تمكّنوا من الحصول على معلومات حسّاسة من الممكن أن تكشف حقيقة هذا اللغز.

ومنذ مدة، توقّفت أوساط حيال مقتل نجل أحد المسؤولين الحزبيّين في بيروت، والذي صُوّر وكأنّه عملية انتحار، كون والد "الضحية" على معرفة بمصير رون اراد، وربما يحتفظ برفاته إذا كان مقتولا.

ووفق المعلومات، إن رون اراد الذي كان محتجزاً خلال أسره عام 1986 في أحد المنازل في بلدة ميدون في البقاع الغربي، تمكّن من الإفلات بعد تعرّض البلدة لغارات كثيفة من الطيران الإسرائيلي عام 1988.

وهذه الواقعة، أكّدها الشيخ أديب حيدر احد مسؤولي "المقاومة المؤمنة" التي اتهمت إسرائيل مسؤولها الحاج مصطفى الديراني بخطف اراد، خلال لقاء معه في كانون الثاني 2005، في منزله في بلدة بدنايل البقاعيّة، إذ قال "… كل ما نعرفه أنّ اراد كان محتجزاً في احد المنازل في البقاع بعد نقله من الضاحية الجنوبية، وقد حدثت مواجهات عنيفة بين المقاومة والعدو الإسرائيلي، فانشغل حرّاس اراد باستطلاع ما يجري، وعندما عادوا إلى المنزل لم يجدوه، واختفى بطريقة غامضة…"

روايات متعدّدة

تعدّدت الروايات والمعلومات حول مصير اراد ومكانه بعد ذلك. فمنها ما أكد قيام الاستخبارات الإيرانية بنقله بتابوت خشبي، وهو تحت تأثير المخدّر إلى طهران، من طريق السفارة الإيرانية في بيروت، حتى تستخدمه إيران كورقة ضغط على إسرائيل، لمعرفة مصير الديبلوماسيّين الإيرانيّين الأربعة الذين فقدوا عند حاجز البربارة عام 1982، وتردّد أنّهم نُقلوا إلى إسرائيل. أما مصادر أخرى فأشارت إلى أنّ اراد أصبح في يد الاستخبارات الجوية السورية، لتستخدمه سوريا أيضاً ورقة مساومة لتسليمها احد طياريها بسام العدل الذي فرّ عام 1989 بطائرته الميغ 29 وحطّ بها في إسرائيل، بذريعة اللجوء السياسي. في الوقت الذي نفت فيه قيادة "حزب الله" نفياً تاماً معرفتها مكان اراد ومصيره.

إلّا أنّ مصادر حزبية لبنانية أكدت أنّ اراد بعد فراره من مكان احتجازه في "ميدون" وقع في يد مجموعة تنتمي إلى حزب علمانيّ لبنانيّ كانت برئاسة (ع. ق) الذي سلّم اراد إلى مسؤول في الحزب أعلى منه رتبة وهو (م. ق)، ولكن التساؤل فيما بعد تركّز على معرفة ما إذا كان اراد حيّا أو ميتا، خصوصا أنّ عديدا من اللجان في الجيش الإسرائيلي شُكّلت للبحث في مصيره، وبحسب ما ورد في تقرير سرّي سرّبه "الموساد" للصحف ووسائل الإعلام منذ عامين، "إنه تم تشكيل لجنة إسرائيليّة خاصّة قبل أربعة أعوام برئاسة اهارون فركش رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي للبحث وجمع المعلومات عن رون اراد. وقد أكدت هذه اللجنة أنّ اراد كان على قيد الحياة حتى بداية عام 1995، وبعد هذا التاريخ توفّي نتيجة مرض في لبنان من دون ذكر طبيعة المرض، وقد حاولت إيران و"حزب الله" إخفاء الأمر والتنصل من الموضوع وكذلك عدم معرفة مكان جثته".

وحسب المصادر، إنّ المسؤول الحزبي (ع.ق) الذي لم يرضخ لضغوطات عليا من جهات حزبية لإعطائها معلومات عن مكان اراد، فُتح له ملف قضائي في فترة الوجود السوري، ما دفعه إلى مغادرة لبنان إلى دولة أوروبية وما زال هناك.
 
منظمة الزوبعة

عام 2004، وفي عزّ التفاوض حول اراد، ظهرت فجأة على الخط منظّمة تطلق على نفسها اسم "منظمة الزوبعة" لتعلن في بيان أنّ اراد موجود لديها، ليتبيّن أنّ المسؤول الحزبي (م.ق) هو الذي يقف وراء هذه المنظمة، ونشر البيان في 23 شباط 2004 في عدد من الصحف اللبنانية.

ثم عادت منظمة "الزوبعة" إلى إصدار بيان آخر وفيه: "إن الطيار الإسرائيلي رون اراد الذي أُسقط وطائرته فوق جنوب لبنان عام 1986 كان يرمي الحمم والقنابل على أبناء شعبنا، ولم يكن يرمي وروداً ورياحين… وكانت منظمة "الزوبعة" قد سلمت إلى الجهة الألمانية عيّنات ومستندات للطيار اليهودي منذ أعوام، وأجريت الفحوص عليها من جانب العدو في حينه، لكنّ حكومة شارون ماطلت وناورت إلى حين خطف الجنود الثلاثة وأسر الضابط المتقاعد، ثم أسرعت إلى التفاوض لاسترجاع الحنان تننباوم لأسباب لم تعد خافية على احد، وقد ضجّت وسائل الإعلام بالعلاقة الشخصية التي تربط شارون بعائلة الحنان تننباوم والمصالح المشتركة بينهما تاركة ملف اراد عالقاً…".

وأضاف البيان: "لا بد من القول إنه عندما تعثرت المرحلة الأولى من عملية التبادل، وادعت حكومة شارون إصرارها على حيازة معلومات عن الطيار اراد، في مقابل إتمام الصفقة والإفراج عن المناضل سمير القنطار، قدّمت المنظمة ما هو كاف لإفشال مزاعم العدو ودحضها، ولكنّ حكومة شارون استمرت في مناوراتها، طالبة المزيد من دون تنفيذ التعهد بإطلاق سمير القنطار…" وختم البيان: "إنّ ما يدور في وسائل الإعلام عن عملية تبادل مع غير منظمة "الزوبعة" هو خارج المكان والزمان…".

اعتقال وتحقيقات

ومنذ مدة، عُلم أنّ المسؤول الحزبي "م.ق" أخضع ومنذ عام 2006 لسلسلة من التحقيقات لدى أجهزة أمنيّة لبنانيّة حول مصير اراد أو مكان وجود الرفات، واعتُقل على خلفية اتّهامه بالاتصال مع العدو لهذه الغاية لفترة من الزمن قبل إطلاق سراحه ومداهمة منزله في إحدى البلدات الجبلية. وكانت صحيفة أسبوعية أشارت في عددها الصادر في 10/10/2011 إلى أنّ "م.ق"، "بما يملك من معطيات وتفاصيل وخرائط سمح (للأجهزة الأمنية) بالاهتداء إلى مكان دفن جثة رون اراد واسترداد هيكله العظمي.. وبعد فترة من خروج "م.ق" وقعت حادثة مقتل نجله "س.ق" في ظروف غامضة ربما كان ذلك انتقاما من الموساد كون والده احتفظ بجثة اراد طيلة هذه المدة أو انتقاماً من فريق آخر لعدم تسليم (م. ق) جثة أراد عبر المفاوضات لأي جهة محلية…"

ومهما كانت التساؤلات والتحليلات، فإن الجهات الديبلوماسية ترى أنّ ملف اراد عاد بقوة للتداول وقد يتم الكشف نهائيا عن هذا اللغز الذي شغل الأوساط الأمنية المحلية والدولية طيلة الفترة الماضية، والمقابل سيكون ثمينا وثمينا جدا بكل تأكيد. 

السابق
على حزب الله إلقاء ترسانته العسكرية… فوراً
التالي
هل ارتكب جوبيه وغوتيرون زلّتي لسان؟