الغلاء في لبنان حوّل متوسطي الـدخل…. إلى فقراء

حتى العام 1975، كان متوسط دخل اللبنانيين يساوي متوسط الدخل في كلّ من قبرص وايرلندا و البرتغال، حسبما يؤكد الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة. أما اليوم فيبلغ متوسط دخل مواطني تلك الدول، قيمةً تتراوح ما بين خمسة وعشرة أضعاف متوسط دخل المواطن اللبناني.
وفي ظل الغياب المزمن للإحصاءات الدقيقة في لبنان، يقدّر كل من حبيقة والدكتور جاد شعبان، متوسط الدخل الفردي اللبناني، بحوالى سبعمئة دولار في الشهر، أو ثمانية آلاف دولار في السنة. «يتقاضى غالبية اللبنانيين أجوراً مماثلة أو ما دونها»، يقول حبيقة، لافتاً إلى أن الهوّة بين متوسط الدخل والأجور العالية التي تتقاضاها أقلية من اللبنانيين تأخذ بالتوّسع، وقد بات من الضروري تقليصها.
ومع ذلك، يعتبر حبيقة أنه لا يوجد «لبنانيون جوعى، بل لبنانيون فقراء يقرر مرددوهم الشهري خياراتهم الاقتصادية والاجتماعية». فبالنسبة إلى حبيقة، تعتمد الأسر، من أجل سدّ عجزها عن تأمين بديهيات الحياة، على عمل المرأة «التي تضيف إلى السبعمئة دولار كحدّ وسطي، سبعمئة دولار أخرى.
وما لا شك فيه أن الألف وأربعمئة دولار الذي تشكّل دخل العائلات المتوسطة، ليست مبلغاً كافياً للحماية من أزمة نهاية الشهر المالية.. فــيلجأ الأهل إلى التوفير ضمن سلّم البدائل القليلة المتاحة، كتعليم الأولاد في المدارس الحكومية بدلاً من المدارس الخاصة، وغيرها…».

أموال الأغنياء للاتصالات والصحة

في معظم الأحيان، لا يكون متوسط دخلَي المرأة والرجل، كافياً لتأمين احتياجات العائلة الواحدة، فيلجأ أحدهما أو الإثنان معاً، إلى البحث عن مدخول إضافي، يمكن أن يسدّ العجز الذي تقع فيه العائلة عند حلول نهاية كل شهر. ويشير الباحثان الاقتصاديان إلى أن «أزمة الأجور لا تعني ذوي الحدّ الأدنى للأجور، ولا تستهدف تحسين أوضاعهم، بل تعني الشريحة الأكبر من اللبنانيين الذي يتقاضون متوسط الدخل العام وما دونه». كما يشرحان أن تحسين الأجور لا يعني رفع حدّها الأدنى، ولا رفع مستوى متوسط الدخل للمواطن اللبناني، ولذلك: «يجب أن يتم العمل على تحسين المستوى المعيشي في لبنان».
ويشرح شعبان أن «الشريحة الكبرى من الموظفين، التي تشكل ما يُعرف بالطبقة الوسطى، تشعر بأن قدرتها الشرائية قد تضاءلت، وبالتالي، طالها الفقر». والسبب الأول في ذلك، بحسب شعبان، يعود إلى «رفع أسعار السلع الأساسية، أضعافاً وأضعافاً». وهو يستند بذلك إلى دراسة حول نسبة الصرف في لبنان أعدّتها «الجامعة الأميركية في بيروت» في العام 2005، خلصت إلى أن الفقراء ينفقون نسبة 35 في المئة من مدخولهم على الطعام، بينما يذهب ثلث مدخولهم كبدل مواصلات. وبالتالي، فإن السواد الأعظم من اللبنانيين هو الأكثر تأثراً بالزيادة على أسعار البنزين والسلع الغذائية. في المقابل، أظهـــرت الدراسة أن «النسبة الأعلى من نفقات الأغنياء تصرف على الاتصالات والخدمات الصحّية».

«نعيش في غابة»

لم تضع الدولة اللبنانية، عبر حكوماتها المتعاقبة، أي خطة لتحسين المستوى المعيشي في لبنان، وتقليص حجم الهوة بين مستوى دخل الأغنياء ومستوى دخل الشريحة الأكبر من اللبنانيين: «نحن نعيش في غابة»، يقول شعبان مختصراً الوضع. وأمام تقاعس الدولة عن أداء دورها في رفع مستواهم المعيشي، بادر اللبنانيون إلى ذلك، عبر طرق مختلفة، يجد شعبان في معظمها «خطورة على الفرد والعائلة».
ويعتبر العمل بوظيفة ثانية أو ثانوية من أبرز تلك الطرق في سدّ غياب الدولة عن حياة المواطن، وهو يضيف إلى الأجر الأساسي ما يوازي ثلثه أو ربعه. ويشرح حبيقة أن «الذكور يحاولون الاستفادة من الدوامات الليلية لاختيار وظيفتهم الثانية، في حين أن الإناث يخترن وظائف موقتة كتعليم دروس خصوصية أو المساعدة في أعمال الخياطة أو العمل كسكريتيـــرات لدى أطباء بــــدوام جزئي، إلـــخ»، ويقول إن «العمل الثاني يمكن أن يرفع متوســـط الدخل في لبنان من سبعمئة دولار إلى حوالى الألف دولار».
لكنّ تحسين مستوى الدخل لا يعني، وفق شعبان، تحسين الحياة، «فالعمل الثاني غالباً ما تتأتى عنه أمراض نفسية أقــــلّها الضغط النفســـي.. خـــصوصاً أن الهدف منه هو تأمين أبسط مقومات الحياة من مأكل ومشرب وتعليم وخدمات صحيّة، وليس الادخار».
 
شرّ الإستدانة

على الرغم من كون الوظيفة الثانية «شرّاً»، إلا أنها أحياناً لا تتوفّر! فيلجأ عدد كبير من اللبنانيين إلى الاستدانة. ويوضح حبيقة أن للمصارف شروطاً في منح القروض، يمكن ألا تناسب ذوي الدخل المتوسط. فيلجأ المحتاج إلى دخل إضافي إلى الإستدانة، إما من الأصحاب والأقارب أو من المرابين، ما يؤدي إلى تراكم الديون، وينتج عنه «شعور دائم بالتبعية»، كما يقول شعبان. ويشير حبيقة إلى أن «الاستدانة من المرابين، ولو كانت بأرقام صغيرة، تبقى كارثية على ذوي الأجور المتوسطة وما دون لأنها ذات فوائد عالية».
ولا يملك الخبيران الاقتصاديان أي أرقام أو مؤشرات تدلّ على نسبة اللبنانيين الذين يعملون في وظيفتين، ونسبة اللبنانيين الذين يلجأون إلى الاقتراض لتحسين أوضاعهم المعيشية. وهـــما يضيفان إلى هاتين الشريحتين، شريحة ثالثة من اللبنانيين الذين يعوّلون على مساعدات المغتربين، «وهي مساعدات تصـــرف في الغالب على أمور حياتية يومية»، بحسب حبيقة، بمعنى أنـــها لا تصرف في استثمار منتج.. في حين يلجأ عدد آخر من اللبـــنانيين إلى تقديمات تؤمنها بعض الجمــعيات، كما يلفت شعبان.

حتى الرأسمالية لها ضوابط!

في الخلاصة، يجد الاقتصاديان في مختلف آليات تأمين المال الإضافي، «وضعاً كارثياً على العائلة اللبنانية، لا تردعه إلا خطة متكاملة تبادر إلى تنفيذها الدولة اللبنانية». ويؤكدان أن رفع الأجور، «ولو كان باباً لمحاربة التراجع المالي للأسر، إلا أنه يعتبر غير كافٍ إن لم يكن مصحوباً بخطة لتحسين مستوى المعيشة في لبنان». وينصح حبيقة بـ«تغيير نمط الطلب لدى اللبناني، بمعنى أن يكتفي بشقة من ستين أو مئة متر مربّع، وسيارة مستعملة وهاتف محمول من طراز قديم، …».
في جميع الأحوال، ما زلنا في مرحلة «اللا اقتصاد» حسبما يصفها شعبان، «لأن الرأسمالية التي نظن أننا اخترناها كنظام اقتصادي، لها قواعد وضوابط تفرض على الدولة التدخّل كلما مالت ظروفها الاقتصادية إلى ما هو في غير مصلحة مواطنيها». 

السابق
جمعية المواساة تطلق دورات مهنية معجلة
التالي
إنجازان فلسطينيان