الأكراد ـ تركيا..حلقة في سلسلة المواجهة

سلطت الجهات السياسية الأضواء على الحدث الابرز الذي تمثل بردّة الفعل التركية على الهجوم الذي تعرضت له وحدات امنية أوعسكرية تركية على يد حزب العمال الكردستاني، ما أثار عاصفة سياسية غير مسبوقة لا في الزمان ولا في المكان، بعدما سُرّب عن أن مجموعة مكافحة الإرهاب داخل المؤسسة التركية الحاكمة اجتمعت، وهي بصدد اتخاذ إجراءات "صارمة" رداً على الهجوم الكردي.

ألغى رئيس الوزراء التركي زيارة كانت مقررة له الى الخارج، كذلك فعل وزيرا خارجيته وماليته، إلا أن الرد لم يكن سوى جولة جديدة للطائرات الحربية التركية لتحصد المزيد من القتلى من دون أن تقدم تركيا أي مشروع حقيقي لمعالجة المسألة الكردية على اراضيها أو مع الأكراد خارجها، من خلال الاعتراف بهم كقومية لها كامل الحقوق المشروعة كأي قومية أخرى في المنطقة.

مناسبة هذا الكلام عدا عن الحدث بحد ذاته هو ما تبجحت به تركيا حول الديمقراطية على مدى سنوات، ولا سيما في الأشهر القليلة الماضية عندما حاولت الدخول على خط الأحداث في سورية، لتدّعي بأن الحكومة السورية تمارس العنف ضد شعبها، فطالبتها بإجراء اصلاحات أقدمت عليها سورية فعليا من خلال خطوات مدروسة ومتأنية، نال الأكراد منها حصة كبيرة عندما حصل ما يقارب الـ103 آلاف كردي على الجنسية السورية من اصل أكثر من 250 ألفاً، ووعد الرئيس السوري بشار الأسد بتسوية أوضاع من يسمح له ملفه بذلك، ليندمج ضمن المجتمع السوري، الذي لا خوف لديه من مصالحة حقيقية مع أي قومية اصيلة كانت أو حتى دخيلة عليه.  
لم تتوقع مصادر دبلوماسية عربية أن يكون حجم رد الفعل التركي على الهجوم الكردي بأوسع مما كان، متسائلة عما يمكن أن تفعله أنقرة أكثر من ذلك. في حين انها اخفقت حتى الآن بانتزاع موقف دولي أو اوروبي بوضع الحزب الكردستاني على لائحة الإرهاب، وهي تعلم أن تحرك الحزب الأخير لا ينفصل عن الصراع الذي ارادت تركيا بكامل ارادتها وعن سابق تصور وتصميم أن تخوضه في المنطقة على قاعدة ريادتها لها وبتكليف دولي وعربي لإدارة ملف "الربيع العربي" تحت شعار مذهبي، عندما عجزت بعض الدول العربية عن الإمساك بالملف وايصاله الى مبتغاه، فوقع الخيار على تركيا باعتبارها قوة رئيسية في المنطقة مقابل الكثير من الدعم المالي والاقتصادي، لكن لم يقدم الأوروبيون على مستوى الإتحاد الأوروبي ولا الولايات المتحدة لها شيئا على مستوى معالجة هذا الملف الذي يؤرقها منذ زمن بعيد.
وفي هذا السياق، تشير المصادر نفسها الى أن امام تركيا ايضا القضية الأرمنية التي لا زالت بمثابة النار تحت الرماد سياسياً، في وقت تسعى فيه انقرة الى تحشيد كل قوتها لتجاوز تداعيات المجازر التي ارتكبتها والتي ما زال موضوعها يهيمن بين فترة وأخرى على صفحات الجرائد التركية، تلك المجازر التي تكررت في العهدين العثماني الحميدي، والتتريكي الطوراني وعلى مدى أكثر من عشرين عاماً، ولا يخفى على أحد ما يطالب الاتحاد الأوروبي به تركيا لجهة الاعتراف بها، كون الأوروبيين تنبهوا إلى عواقب قبول عضوية تركيا من دون استعداد هذه الأخيرة، لحل مشاكلها التاريخية العالقة وفي طليعتها اعترافها بالمجازر الأرمنية.
لهذين النموذجين في التاريخ السياسي التركي آثار كبرى على المسار السياسي الحالي والمستقبلي، وعلى أي نظام قد يحكم تركيا في الفترة المقبلة، في الوقت الذي كان لها في ظل الحكم الحالي بقيادة حزب العدالة والتنمية الفرصة الحقيقية لتصحيح مسارات خاطئة سارت بها سابقا الدولة العثمانية تجاه شعوب المنطقة ومن كل القوميات. لكن قيادة الحزب في انقرة لا يبدو انها اتعظت من الماضي، بل هي آخذة بتبني ذلك السلوك الذي افقدها مصداقيتها وصنفها في خانة أصحاب المجازر وهي لا تستطيع حتى الدفاع عن نفسها.
الفرصة التي اعطيت لتركيا هي في فتح باب الشراكة لها مع العالم العربي بكل مكوناته تحت شعار القضية المركزية في فلسطين، بعدما لفظها الغرب لأسباب دينية وقومية وعرقية، لكنها آثرت الخضوع لنظام المصالح الفئوية الضيقة والرغبة في السيطرة والاستئثار، معتمدة بذلك على قوى ظهر ضعفها على مدى السنوات الماضية، في تحقيق مشاريع مشبوهة تخدم بشكل مباشر وغير مباشر "إسرائيل"، العدو الأساسي في المنطقة.
تقول المصادر الدبلوماسية، بأن لعبة انقرة قد تكون الأخطر على القضية المركزية في فلسطين، كما انها تشكل العنصر الأساسي في مشروع التفتيت المذهبي التي تتعرض له مجتمعاتنا، غير ان ضربة حزب العمال الكردستاني لم تعد محصورة بالصراع الكردي ــ التركي الثنائي وهو ما قصده الرئيس عبد الله غُل في تهديداته التي أطلقها عقب الهجوم الأخير.  

السابق
قتلها… ليعدم !!
التالي
حفلة للنوم في اليابان !!