الاخبار: الموازنة في حالة موت سريري

أجّل مجلس الوزراء، بإرادته، أمس، مناقشة مشروع الموازنة. دخل الوزراء الجلسة وهم يعلمون أنّ بإمكانهم الحديث عن الصين وتايوان لوضع الملاحظات على المشروع المقدّم. فانتهت الجلسة بطلب الوزير محمد الصفدي من زملائه تقديم ملاحظاتهم خلال عشرة أيام، لتعود النقاشات بعدها حول المشروع

مضت جلسة الوزراء، أمس، كما هو مرسوم لها. كان سقف النقاش عالياً، لكنه لم يزعج سوى وزير المال محمد الصفدي. معظم الوزراء دخلوا الجلسة وهم واعون إلى أن هدفها فتح النقاش في مشروع الموازنة من دون استكماله ومن دون ملامسة البنود الخلافية فيها. انتهت الجلسة بالطلب من الوزراء تقديم ملاحظاتهم خطياً للمجلس في غضون 10 أيام لمناقشتها في جلسة قد تعقد بعد أسبوعين، ما يشير إلى أنّ إرادة الوزراء والكتل التي يمثلونها تصبو باتجاه تمويت مشروع الموازنة بهدف الابتعاد عن التوتر الذي قد ينتجه البحث في بند تمويل المحكمة، أو غيره.
وقد وصف وزير بارز الجلسة بأنها «جلسة عصف فكري على ضفاف مشروع الموازنة»، وبأنّ مداولاتها تهدف إلى تقطيع الوقت والقول «إننا باشرنا بحث مشروع الموازنة». ورأت مصادر وزارية أن تقطيع الوقت سيستمر إلى نهاية العام، وهو الموعد الذي تبلغته السلطات اللبنانية، على نحو غير رسمي، لدفع حصة لبنان من تمويل المحكمة، علماً بأن الرسالة التي تلقاها رئيس الحكومة من الأمين العام للأمم المتحدة بشأن تمويل المحكمة لم تحدد موعداً للتسديد.
وبدا الجميع غير مستعجلين لإقرار الموازنة، على الرغم من أنّ المهلة الدستورية لتقديمها إلى مجلس النواب انتهت أمس، أي في اليوم الذي بدأ فيه مجلس الوزراء مناقشة المشروع. ومسألة احترام المهل شكّلت مدخلاً للنقاش الذي استنزف جزءاً لا بأس به من الجلسة. إلا أنّ الجلسة لم تبدأ من هذا الباب، بل من باب آخر يتّسم بجدية أكبر، إذ اعترض بعض الوزراء على صدور قرارات عن مجلس الوزراء بصيغة لم تتم الموافقة عليها، وتشمل:
– نص القرار المتعلق بزيادة الأجور الصادر في 12/10/2011، إذ تضمّن بنداً لم يجر التداول به داخل مجلس الوزراء وينصّ على حسم كل زيادة حصل عليها الأجير لأيّ سبب كان، اعتباراً من 1/7/2010، من ضمن الزيادة المقررة.
– القرار الصادر في شأن الإجازة لوزارة المال بإصدار سندات خزينة بقيمة 2700 مليون دولار لاستبدال ديون قائمة، وبقيمة 600 مليون دولار لتسديد فوائد متوجبة على ديون قائمة. فمجلس الوزراء كان قد ناقش هذا الأمر وأظهر أنّ تسديد الفوائد هو إنفاق مسجل في الموازنة، وهو يختلف عن استبدال الديون، وبالتالي لم يجز لوزارة المال إصدار سندات خزينة لتسديد الفوائد طالما أن هناك اعتمادات مخصصة لها.

– استغرب الوزراء صدور تصحيح خطأ مادي في 10 تشرين الأول الجاري على مرسوم صدر في 28 آب الماضي، ويتضمن الإجازة لوزارة الأشغال العامة والنقل بإنفاق نحو 100 مليون دولار على تأهيل الطرقات، وفقاً للجدول المرفق مع نص المرسوم. فإذا بتصحيح الخطأ المادي ينص على أنّ إنفاق هذا المبلغ يتمّ وفقاً لجدول يضعه وزير الأشغال العامة، ما يعني إلغاء كل الضوابط على هذا الإنفاق وتسليم الوزير المعني مبلغ 100 مليون دولار لينفقها كما يشاء، (مع العلم بأنّ الوزير غازي العريضي غاب عن الجلسة، فيما لوحظ أنّ وزراء حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي كانوا شبه صامتين خلال الجلسة).

– صدور قرار عن مجلس الوزراء يسمح لوزارة المال بالتعاقد رضائياً مع شركة «برايس ووتر هاوس» لإنجاز حسابات الدولة المالية وحسابات المهمة والتدقيق بها، علماً بأنّ المجلس كان قد عارض هذا الأمر لمخالفته قانون المحاسبة العمومية ولعدم جواز إطلاع شركة خاصة على المعلومات المتعلقة بالدولة. ثم صدر تصحيح خطأ مادي، بعد موجة من الاعتراضات في الإعلام ومجلس النواب، لينص القرار على أنّ هذه الشركة ستساعد وزارة المال على وضع آليات العمل حصراً.
وحسم رئيس مجلس الوزراء النقاش في هذه القرارات بأن طلب من الأمين العام للمجلس، سهيل بوجي، توزيع نصوص القرارات نفسها على الوزراء لدرسها مجدداً في الجلسة المقبلة.

بعد ذلك، عرض وزير المال محمد الصفدي مشروعه للموازنة واستغرق عرضه نحو ثلاثة أرباع الساعة، وقد تضمن هذا العرض، بحسب ملاحظات الوزراء، مجموعة من الأخطاء استغرق نقاشها وتصحيحها نحو نصف ساعة إضافية، ليقدم بعدها الوزراء مداخلاتهم السريعة. اعترض وزير العدل شكيب قرطباوي على عدم احترام وزارة المال لتوصيات لجنة المال والموازنة النيابية في إعداد هذا المشروع، ورأى أنّ إدراج قوانين البرامج في مشروع قانون الموازنة أمر يخالف قانون المحاسبة العمومية. كما اعترض على الإعفاءات من الغرامات الواردة في المشروع لكونها تشجّع على مخالفة القوانين وتكافئ المتهرّبين من دفع الضريبة.
أما وزير الدولة مروان خير الدين فركز في مداخلته على أزمة اليونان، محذراً من أن رفع الضريبة على الفوائد من 5 إلى 8% قد يجر لبنان إلى أزمة مماثلة لأنّ الودائع ستبدأ بالهرب، فتصدى له معظم الوزراء موضحين أنّ هذا الاستنتاج ليس واقعياً ولا علمياً ولا يمكن مناقشته.
وتحدث وزير السياحة فادي عبود عن مشكلات الاقتصاد اللبناني التي لا يعالجها مشروع الموازنة، مثيراً مسألة الرسوم المرفئية وكلفة التصدير.
أما وزير الخارجية، عدنان منصور، فاشتكى من إلغاء مرسوم التأشيرات التي كانت تمدّ القنصليات بالمال، فيما أثار وزير العمل شربل نحاس خطورة تخطي المهل الدستورية لتقديم الموازنة، ولا سيما أنّ مجلس الوزراء فوّت على نفسه الاستفادة من أحكام الدستور التي تعطي الحق للحكومة بإصدار الموازنة بمرسوم إذا قدمتها إلى مجلس النواب قبل 15 يوماً من المهلة الدستورية. ورأى نحاس أنّ صدور الموازنة مرهون بإنجاز الحسابات المالية عن السنوات السابقة التي تعهد وزير المال بإنجازها بعد 8 أشهر. وهذا ما اعتبره نحاس غير جائز لأن الدولة لا يمكنها أن تبقى بلا موازنة منذ عام 2005 إلى ما شاء الله». وقال نحاس إن الخلاف ينطلق من تباين المقاربات، إذ إن مشروع الموازنة المطروح لا يلتقي أبداً مع المقاربة التي التزمت بها الحكومة في بيانها الوزاري، مثنياً على إقرار الوزير الصفدي بأنّ الجباية أكبر من الصرف، على الرغم من زيادة الاستثمارات ودعم الكهرباء. وأشار نحاس إلى أنّ هذا الواقع مستمر منذ سنوات طويلة وهو دليل على فشل الإدارة المالية السابقة، داعياً الصفدي إلى التحلي بالجرأة لكي يصحح كل حسابات السنوات السابقة وليدرك اللبنانيون أنهم سددوا ضرائب وإيرادات للدولة أكثر بكثير مما حصلوا عليه من خلال الإنفاق العام. وتساءل عن النموذج المعتمد لاحتساب معدلات النمو والتضخم المتوقعة عام 2012، «فهل هي تتمة لمحاولات تجميل الواقع؟ أم هي مبنيّة على قواعد علمية»؟ وطلب من الصفدي توضيح ذلك، فامتنع الأخير عن الإجابة واكتفى بالقول: «الجواب في وقت لاحق». وشدد وزير الاتصالات، نقولا صحناوي، على مسألة احترام المهل وعدم الاستسهال بفرض الضرائب على الاستهلاك، فاعترض الصفدي طالباً من صحناوي أن يسلّمه أموال البلديات المحجوزة لها في حساب وزارة الاتصالات لدى مصرف لبنان، فردّ صحناوي بأنّ هذه الأموال لن تردّ إلا لأصحابها.

وهنا انتهى النقاش، فطلب الصفدي ملاحظات الوزراء بغضون 10 أيام لمتابعة مناقشة مشروع الموازنة في وقت لاحق.
وبعد الجلسة، أطلّ الوزير وليد الداعوق لوضع اللبنانيين في أجواء النقاشات الوزارية، فأشار إلى التهاني المتبادلة بين الرئيسين ميشال سليمان ونجيب ميقاتي بمضي 100 يوم على تأليف الحكومة والدعوات إلى تطوير عمل المجلس ومضاعفة الجهود على جميع الأصعدة.
وسُئل الداعوق عن الخطوات التالية بعد تسليم ملاحظات الوزراء، فأجاب: «بعد رفع كل الملاحظات والاقتراحات، سيتم تشكيل ورش عمل قد تكون يومية لبحث كل اقتراح»، مشيراً إلى أنه «لا إعادة لصياغة مشروع الموازنة، بل إبداء اقتراحات وملاحظات من كل وزير يبدي نظرته أو حتى أرقاماً في الموازنة حيث يتم تداولها».
وبشأن تمويل المحكمة الدولية، أشار الداعوق إلى أن المشروع «يلحظ هذا البند. وستتم مقاربته بالوسائل التي يقترحها كل وزير». وأكد أنّ النقاشات كانت هادئة «بشكل أكثر من طبيعي، وكانت رصينة، وشهدت الجلسة حوارات بين الوزراء بعيداً عن النقاشات الحادة»، معتبراً أنّ هذا الأمر سيؤدي إلى «عمل إيجابي للحكومة وتماسكها للوصول الى عمل فاعل».  

السابق
الجيش السوري العقائدي…
التالي
صفقة شاليط والعجز الإسرائيلي