هذيان

 • والثوب اللبناني ليس طائفياً فقط، بل من حرب إلى حرب ومن ترقيع إلى ترقيع، دخلت فيه رقع عربيّة ورقع إقليمية ورقع دوليّة

جاء في الشاعر "أنس بن العباس بن مرداس":
"لا نَسَبَ اليومَ ولا خلّةً اتّسعَ الخِرقُ على الراقعِ"
اتّسع الخرق اللبناني، بل الخروق اللبنانيّة، على الراقعين اللبنانيين وعلى الراقعين العرب وعلى الراقعين الإقليميين وعلى الراقعين الدوليين.
وهؤلاء الراقعون كثيرون جدّاً والخروق اللبنانية واسعة جداً. وهؤلاء الراقعون، بعضهم يحاول الترقيع، وبعضهم الآخر يفرط الرقعة من مكانٍ آخر. والثوب اللبناني الذي هو الثوب الطائفي، هو، في الأصل، مجموعة من الرقع التي يضيع معها لون الثوب وشكله وموضته، فيشبه ثوب المهرّج متعدد الرقع والألوان. والثوب اللبناني ليس طائفياً فقط، بل من حرب إلى حرب ومن ترقيع إلى ترقيع، دخلت فيه رقع عربيّة ورقع إقليمية ورقع دوليّة، وصار يعزّ عليك أن تحزر من صاحب الثوب ومن يلبس الثوب. وهذا يعني أنّ اللبنانيين (إذا صحّ التعبير) أصبحوا أقلية في لبنان، ويعيشون بين أكثرية تحمل الجنسيّة اللبنانيّة أو التأشيرة اللبنانية، أكثرية لا نستطيع أن نتهمها بأنها لبنانية. هذه الأقليّة اللبنانية من موديل 1943 و1960 إلخ… تشبه السيارات القديمة، وتصلح لهواة جميع الانتيكا من سيارات وشعوب وتحف… إلخ. وهي تصلح لمعرضٍ أو متحف أو معجم متخصّص، لكي يتعرّف الدارسون إلى هذا الشيء الذي كان اسمه اللبناني.
مع التحفّظ، أن هناك اللبنانيين المهاجرين الذين لا يزالون يحتفظون بعينات من الثوب اللبناني، يضعونها في خزائنهم وعلى الجدران (صوراً) وفي آلاتهم التسجيليّة (كاسيتان وC.D) خصوصاً لفيروز، ويستحضرونها في بعض المناسبات، حين تهبّ عليهم موجة من حنين، ويصعد إلى عيونهم طقسٌ من الدمع القديم. مهاجرون مزمنون بحثاً عن الرزق وعن حياة كريمة، ومهاجرون مستحدثون هرباً وقرفاً ويأساً من حروب أهلية وغير أهلية متجدّدة. من 1975 إلى 1990 هاجر 30 في المئة من اللبنانيين، يعني ثلث الشعب، وأساساً الشباب اللبناني. بعد 1990 هاجر 600 ألف لبناني، من 1991 و1994 ومن 1999 إلى 2000 ومن 2001 إلى 2005. أثناء عدوان تموز هاجر 120 ألفاً.
ولا يزال هؤلاء الذين يحملون الجنسيّة اللبنانية ويتزعمون الطوائف اللبنانية، وينهبون المال العام اللبناني ويتصارعون في نهبه، لا يزالون يحاولون مجدّداً ترقيع الثوب اللبناني الممزّق والمخرّق، الثوب الطائفي، وما زالت الرقع نفسها تنشقّ وتتخزّق، ولا يزال الخِرق يتّسع على الراقعين والمرقوعين اللبنانيين، حتى لم يعد الثوب ثوبهم، على الرغم من خروقه ورقعه، بل أصبح أنتيكا معروضة في المزاد، على أرصفة السياسة العربية والإقليمية والدولية وسط ضجيج عظيم ونوع من الهذيان الشامل على شاشات التلفزيونات والفضائيات، وفي الإذاعات وعلى صفحات الصحف، هذيان الوفاق والتوافق والعيش المشترك والتجربة الفريدة… ولا حول ولا قوة إلا بالله.

حقيبة
احزمي حقيبتكِ وضعيها على البابِ
ولا تضعي في الحقيبة إلاّ الضروري الضروريّ
ولا تحملي الكثير من الذكريات
فلا وقتَ لكي تلتفتي إلى الخلفِ
فما ماتَ قدماتْ
ولا تأملي في حياةٍ جديدة
فقط، استراحةٌ بين طائرتينْ
قهوة أو "نسكافيه" وسيجارةٌ
في المحطّة، بين قطارينْ
وانتبهي للائحة المواعيد في القطاراتْ
وليكُنْ معطفكِ أو "ترانشكوتكِ" على يدِك دائماً
فإنّ العواصفَ آتيةٌ من جميع الجهاتْ
 

السابق
الرئيس لحود: حان الآوان لامة العرب ان تكف عن التآمر على ذاتها
التالي
مكتب السيد:محكمة إستئناف باريس رفضت طلب الاستئناف المقدم من جوني عبدو