صفقة عشائرية

 لا يمكن أن توصف عملية تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس بأنها ترجمة حرفية دقيقة لخيار المقاومة الفلسطيني، الذي لا بقاء للفلسطينيين وقضيتهم من دونه، وبالشكل الذي اعتمده الرواد الاوائل للكفاح المسلح في منتصف القرن الماضي، واكتشفوا من خلاله القضية والشعب والأرض ووضعوهم على رأس قائمة جدول الأعمال العالمي.
الأقرب الى المنطق والواقع أن عملية التبادل هي صفقة عشائرية بين عائلة فلسطينية معروفة الاسم والعنوان في قطاع غزة استشهد وأسر عدد من ابنائها على يد قوات الاحتلال الإسرائيلية، فقرّرت الرد بخطف جندي اسرائيلي قبل خمس سنوات والعمل على مبادلته، حسب العرف والتقليد والثمن الذي سبق أن أرسي في مجرى الصراع مع اسرائيل على مدى العقود الخمسة الماضية.
لم يكن هناك تنظيم فلسطيني محدّد يقف خلف عملية أسر الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط، بل تنصلت جميع التنظيمات الفلسطينية من المسؤولية التي سارعت مجموعة من العائلات الفلسطينية الى تحملها بدافع من التضامن العشائري والوطني طبعاً، قبل ان تساهم الحركات والمنظمات الفلسطينية في توفير الغطاء اللازم لها، بأمل ان تتمكن من المساهمة في إطلاق أكبر عدد ممكن من الاسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال، الذين يصل عددهم الى عشرة آلاف أسير ويشكلون تحدياً رئيساً للشعب الفلسطيني على المستويات الإنسانية والاجتماعية، عدا عن المستوى السياسي الذي كان ولا يزال مقفلاً على البحث في هذه المسألة على أي طاولة تفاوض إسرائيلية فلسطينية، حتى ولو كان عنوان التفاوض هو التنسيق الأمني بين اسرائيل وبين السلطة الفلسطينية.
ومثلما كانت حركة حماس الحاكمة في قطاع غزه مجرد شاهد على عملية الاسر ثم صارت بحكم الامر الواقع وباسم الحاجة الى مفاوض فلسطيني باسم خاطفي الجندي الاسرائيلي، كانت السلطة الفلسطينية في رام الله مجرد مراقب بعيد للعملية كلها من بدايتها حتى النهاية المرتقبة اليوم، وكان من الطبيعي ان تلحق بها أضرار أشد من تلك التي لحقت بمنافستها الاسلامية في غزة، التي حملت صفقة التبادل توقيعها وضمانتها.
ثمة من لا يرى بأساً من انحدار الصراع الى الطابع العشائري، لان الجانب الفلسطيني يكون قد حط بالجانب الآخر من مستوى الدولة القوية الى مستوى العشيرة اليهودية التي تضطر بين الحين والآخر للخضوع الى احكام وتقاليد العشائر الحاكمة في العالم العربي أكثر من اي احكام وقوانين عصرية حديثة، يمكن ان تدير المعركة وتحقق بعض المكاسب منها.
منذ أن جرى توقيع الصفقة الاسبوع الماضي، قيل كلام كثير عن ان اسرائيل وحكومة بنيامين نتنياهو استجابت لأجواء الثورة العربية وضغوط الشارع العربي، وتفاعلت مع مصر وخطتها لفرض السيطرة مجدداً على صحراء سيناء، وقيل كلام أكثر عن ان حركة حماس استفادت من وصول السلطة الفلسطينية الى نهاية الطريق، وترجمت قرارها بنقل قيادتها ومرجعيتها من دمشق الى القاهرة.. وهذا ما يقع في باب التحليل المبالغ به لسلوك عشائر فلسطينية تحكمها غريزة البقاء وعشائر يهودية تدفعها غريزة الفناء. 

السابق
البلد : “الموازنة ” على محك الحكومة وتفادي” التمويل” بالتأجيل
التالي
سياسيونا شهود زور!