الرئيس أوباما وإسرائيل

  ثمة من يتهم الرئيس الأميركي باراك أوباما، بسياسة تهدئة إزاء الفلسطينيين، خصوصاً انه أبدى غير مرة تحفظات بالنسبة الى تمادي إسرائيل في زرع المستوطنات في الضفة الغربية· وها ان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يزعجه التدخّل الأجنبي كثيراً في شؤون بلاده الداخلية، ينوّه في وضوح ومنهجية بموقف النواب الجمهوريين في معرض انتقاده الرئيس الأميركي وتتجلّى إجابة الرئيس اوباما عن ذاك الانتقاد بخطابه أمام الأمم المتحدة الذي يشدّد فيه على دعمه إسرائيل وتفهّمه مخاوف الإسرائيليين ومعطوبيتهم ولا يشير الا لماماً الى معطوبية الفلسطينيين·
ما الذي بدّل، في موقف الرئيس الأميركي، حول الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وحوّل مساره الى تصلّب فجائي؟ ولمَ يخشَى كبار السياسيين الاميركيين انتقاد السياسة الإسرائيلية الى هذا الحد؟ أمردّ ذلك الى خوفهم من أن ينعتوا <بالمناهضين للسامية> والشعب العربي نفسه في عداد الساميين؟ أم ان بيت القصيد هو بالأحرى صوت اليهود الانتخابي في الآتي من الأزمنة؟

الوهلة الأولى، لا شيء يُذكر يخسره الديمقراطيون من هذا القبيل· فالاحصاءات الأولية تشير الى ان أكثرية اليهود (وهم يمثّلون زهاء 1.7 في المئة من الأميركيين) ما زالوا يقترعون للحزب الديمقراطي·

اما في ما يتعلق بما يسمّى بالجماعات الضاغطة (اللوبي) الإسرائيلية في واشنطن، وهي منظّمة ومموّلة جداً فينبغي أن نشير الى ان المسيحيين الانجيليين يضطلعون فيها بدور بالغ الأهمية· الا ان تلك الجماعات تقترع في معظمها للحزب الجمهوري بحيث ان الرئيس أوباما لا يخسر الكثير من الأصوات من هذا القبيل·

ولكن، من الثابت ان بعض التنظيمات المؤيّدة لإسرائيل، ولا سيما منها مجلس الشؤون الإسرائيلية – الأميركية العامة (AIPAC)، يمكنها أن تجمع مبالغ كبيرة لدعم مرشحين سياسيين (أو هزمهم)، كحكم لهم أو عليهم بحسب موقفهم ازاء إسرائيل ليس إلا· ان المال المتوفّر أو غير المتوفّر وكذلك أصوات اليهود الذين سيصوّتون ضد أوباما على رغم منها، من شأنها أن تتسبب بكل الفرق في الأصوات في ولايات محورية كولاية فلوريدا·

وفي معزل عن المال والمصالح الانتخابية والجماعات الضاغطة، حصل تطور بارز في السنوات الأخيرة، يقلق الديمقراطيين بشدة: فإن النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي يتوسّله اليمين الأميركي اليوم للتغلّب على الديموقراطيين·

هذه حالة مستجدّة بالنسبة الى إسرائيل· ففي العقود الأولى من كيانها المعاصر، حكمها اشتراكيون، وحظيت بدعم من اليسار التقدّمي في العالم، والواقع ان الإدارة الأميركية الأخيرة التي تجلّت على جانب من القسوة النسبية ازاء إسرائيل، هي إدارة الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن·

دأب اليهود في أوروبا والولايات المتحدة في التصويت عموماً لمصلحة اليسار· ان السياسات التي طبّقها اليمين ليست لمصلحة الأقليات، خصوصاً انْ هي اعتمدت على النزعة القومية الاثنية· فالأقليات تتكيّف أكثر مع محيط أشد انفتاحاً· ولقد تجلّى اليهود في طليعة المدافعين عن نضال الاميركيين السود في سبيل حقوقهم المدنية خلال منتصف القرن الماضي (من عام 1950 الى عام 1960)·

كان من السهل على أكثرية اليهود الأميركيين أن يدعموا إسرائيل ما دامت دولة <تقدّمية>· لم يكن هناك لديهم من صراع بين قلبهم وعقلهم، بين العلاقة الوجدانية بإسرائيل والالتزام السياسي لمصلحة القضايا <التقدمية>·

ولكن هذه الحال بدأت تتغيّر عندما تقهقر حزب العمال شيئاً فشيئاً في مواجهة حزب الليكود نصير التشدد، فخضعت الدولة العبرية أكثر فأكثر للسياسات بالذات التي درج اليهود على رفضها تقليديّاً وخصوصاً القومية الاثنية·

نتيجة تفاقم الصراع بين إسرائيل ودول <الممانعة>، يبدو ان الدولة العبرية قد قامت بتحوّلها الى اليمين· ولربما كان على العرب أن يراهنوا أكثر على عامل الوقت والديمغرافيا! والواقع ان يهود الشرق الأوسط تجلّوا أشد رفضاً للعرب من اخوتهم في الدين المهاجرين من أوروبا، وأولئك الآتين من روسيا كانوا يعارضون اليسار في الوقت نفسه، راح عدد اليهود التقليديين يزداد في سرعة جنونية·

فَقَدت إسرائيل تعاطف اليسار الاوروبي ونشأت لها صداقات جديدة في وسط اليمين وحتى في صفوف اليمين المتطرّف· ومن اصدقائها أناس ذوو ماض مناهض للسامية (نعني بالأحرى: مناهض لليهودية) وهم يعلنون بفخر دعمهم لإسرائيليين يستوطنون الأراضي الفلسطينية· في الولايات المتحدة، ثمة تحالف بل قل تواطؤاً خاصّاً بين اليهود المتطرفين والمسيحيين الانجيليين الذين يعتقدون بأن جميع اليهود ينبغي لهم أن يعودوا الى أرض الميعاد وأن يهتدوا الى المسيحية!

انه لوضع غريب عجيب في هذا العالم! فثمة سياسيون محافظون من جنوبي الولايات المتحدة، الى جانب متشددين نمساويين وألمان وفرنسيين وهولنديين، ينحون باللائمة على الديموقراطيين والسياسيين اليساريين لأنهم يتبعون سياسة تهدئة ازاء ما يطلقون عليه تسميات غريبة عجيبة مثل الفاشية الإسلامية أو التحالف الإسلامي – الكونفوشي (صاموئيل هنتنغتون)· ان لورثة السياسيين لتقاليد عنصرية هم اليوم المناضلون في سبيل الدولة العبرية، مما يغرق منطقتنا العربية اكثر فأكثر في التعصّب الاثني بعيداً من جذور الصهيونية الاشتراكية·

ان رزوح رئيس أميركي ديمقراطي للسياسات الإسرائيلية المتصلّبة، قد يكون أبسط وسيلة لإراحة الذات، في خضم سنة انتخابية· انه يحتاج، بلا شك، الى أن يجمع كل <الاصدقاء> الى جانبه، ولكن هذا سيكون ثمناً باهظاً· فإذا كانت الولايات المتحدة مجبرة على دعم إسرائيل، على خطأ أو صواب، فقَدَت جانباً من مصداقيتها وتأثيرها في شرق أوسط جدّ مضطرب·

ان ممارسة ضغوطات على إسرائيل في سبيل وضع حدّ لزرع المستوطنات ودعم قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة والاستمرار، هما، بلا شك، من الصعوبة بمكان الا ان هذا الحل الثنائي المتفاعل هو الوسيلة الوحيدة لإنهاء الحلقة الدائمة من العنف، وان مقاومة إسرائيل وأصدقائها المتشددين والمستجدين، لا تعني البتة أن نكون مناهضين للسامية، وهذا ما أسلفناه· ان هذا الحل البديهي في نظرنا يعني، على نقيض ذلك، أن ندافع عن التقليد التقدمي الإيجابي الذي ما زال فريق كبير من اليهود في العالم يؤمنون به· 

السابق
سياسيونا شهود زور!
التالي
الانتفاضات والحيرتان