«حزب الله» لن يبقى حكرا على فئة!

 يتقدّم الإستقرار الأمني على كلّ الأولويات الأخرى، وهذا التحدّي كبير ومعقّد في ظلّ غياب العناصر الأساسيّة الداعمة، بإستثناء الجيش والقوى الأمنيّة الشرعيّة التي تتزايد الأعباء على كواهلها يوما بعد يوم. ويُجمِع قادة الرأي على تعداد عناصر أربعة تجعل القلق مشروعا حول الحاضر والمستقبل، إذا ما حافظ الضغط الخارجي على وتيرته العالية، مقابل المناعة الداخليّة الهشّة.

العنصر الأول أن صراع المحاور بدأ يتخذ منحى جديدا بعد الإتهام الأميركي لطهران بمحاولة إغتيال السفير السعودي لدى واشنطن عادل الجبير. كانت هذه المحاور ناشطة بين دعم حركات الممانعة، وبين الإعتدال والإنعطاف في إتجاه الواقعيّة السياسيّة القائمة على قبول الآخر، والتصدي لسائر الملفات الساخنة والمعقدة بالحوار والكلمة الحلوة المعبّرة الباحثة عن مخارج تسووية. الآن إختلفت المعايير، هناك فرز جديد تخضع له أنظمة دول المنطقة، هناك إنتفاضات غيّرت وتريد أن تغيّر أنظمة، وأخرى تريد تغيير السلوك الإجتماعي العام.

ويقدّم المحور الممانع نفسه الى الرأي العام أنه هو المستهدف من الولايات المتحدة، والدول الكبرى التي ركبت موجة الإنتفاضات في العالم العربي، لإستباحة الأنظمة المقاومة، والقضايا المحقّة التي وجد من أجلها هذا السلاح. ويخشى المعنيون أن يتحوّل لبنان ساحة لهذا "الكباش" الإقليمي ـ الدولي، لأن الولايات المتحدة ومن معها، لها أصدقاؤها، والمؤمنون بخطّها ومسارها السياسي، كما لإيران وسوريا أيضا.

وتشكّل الحالة في سوريا ورقة ضاغطة على الوضع الأمني، وإن كانت البدايات قد إنطلقت من الإتهامات المتبادلة حول تهريب سلاح ومسلحين، وتجاوز للحدود، وخرق السيادة اللبنانيّة، وإزدهار حركة تهريب الممنوعات، وإنقسام الرأي العام اللبناني على نحو عمودي حاد بين مؤيّد للنظام، ومدافع عنه، وبين مؤيد للإنتفاضة وداعم للمعارضة بالكلمة والموقف وسائر السبل المتاحة. ويضاف الى كلّ ذلك عنصر جديد وهو تدفق السوريين أعداد كبيرة في إتجاه غالبية المناطق اللبنانيّة طلبا للحماية والعمل، وقد حملوا معهم مشاكلهم وعصبياتهم، حيث تسجّل التقارير الأمنيّة الرسميّة تفاوتا كبيرا بين ما كانت عليه نسبة الإخلال الأمني قبل ثمانية اشهر، وبين ما هي عليه الآن حيث تسجّل أرقام مقلقة عن نسبة الحوادث التي تحصل يوميّا في مناطق لبنانية محددة.

وتتزامن مع هذه الضغوط فوضى سياسيّة غير مسبوقة أفرزتها المواقع المتقابلة والجبهات المفتوحة ما بين الموالاة والمعارضة، وما بين قادة الكتل والمكوّنات الأساسيّة للموالاة حول كثير من المواضيع والملفات، وبدلا من أن يكون همّ الجميع منصبّا على سبل حماية الوطن، والنأي بلبنان عن العواصف الخارجيّة والبراكين المتفجرة، والتلاقي لصوغ مسار واضح يؤمن لهذا البلد عبورا سلسا الى شاطىء الأمان من دون أثمان تدفع، أو فواتير خارجيّة تسدد من "لحم اللبنانييّن الحيّ"، ومن جيوبهم، وعلى حساب مصالحهم الحيويّة، نرى أن الخطاب السياسي المتداول بلهجة عالية، ونبرة حادة، وفيه كثير من الكيدية، والتعنيف، ويعكس مناخا تصادميّا إلغائيّا، وكأن كلّ طرف يريد أن يلغي الآخر، ويرفض الإعتراف برأيه وتوجهه ووجهة نظره.

ولا يحتاج هذا الواقع الى تبرير، ويكفي النظر الى اليوميات السياسيّة لتسجيل أكبر مقدار من الخوف على مستقبل الأمن والإستقرار، وعلى مستقبل الوطن ومصيره طالما أن هذه القيادات هي التي تقبض على زمام الأمور فيه. والغريب أن الغالبية منها لا تزال تراهن على الخارج، سواء أكان في النطاق الإقليمي أو الدولي، وتستمد منه الدعم المادي والمعنوي، وتربط قرارها بالإملاءات الصادرة عنه، او التوجهات والنصائح الخاصة التي تسدى منه، ولذلك فإن البعض منها لا يرى حرجا في الذهاب بمواقفه الى حدود المقامرة بأمن البلد وإستقراره، شرط أن تبقى المصالح الآنيّة والخاصة فوق أي إعتبار.

والأخطر أن بعض المكونات السياسيّة بدأ يعتمد على حجّة السلاح، بدلا من حجّة الكلمة، وعلى منطق القوّة، بدلا من منطق الإقناع، والدليل أن التقارير تتحدث عن عناصر وافدة من معاقل الأصوليات، والتطرّف، وساحات الإرهاب المزدهرة في المحيط الإقليمي، وتأوي فورا داخل عدد من المربعات الأمنيّة المنتشرة على الساحة اللبنانية، لتشكل خلايا نائمة، ولكنها على أهبة الإستعداد والإستنفار للتحرك في أي وقت، وفي اللحظة التي تعطى إشارة التحرّك، وإن مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة مقتصرة في الإعتماد المفرط على الدولة والجيش والأجهزة الأمنيّة من دون أي حراك سياسي مسؤول للقادة الفاعلين يواكب هذه الأجهزة في حرصها وسهرها على أمن الوطن والمواطن. وأخطر ما يردد في عدد من الكواليس المحليّة أن السلاح اللاشرعي لا يصح أن يبقى حكرا على فئة، فإما يعالج فورا ووفق صلاحيات الدولة والقوانين المرعيّة الإجراء، او أن "حزب الله" ليس حكرا على الشيعة، فللسنّة أيضا "حزب لله "؟!. 

السابق
بين مثيرات جنبلاط واستجابات سورية
التالي
ثورات الشعوب والموقف من أميركا والغرب