مئة يوم بطلوع الروح

يوم أمس، انقضى اليوم المئة من عمر الحكومة التي تعيش على قلق. تارة يهدد بعضها بالاستقالة، وطوراً يتوعد رئيسها بالأمر ذاته. ويوماً بعد آخر، تقترب من لحظة الحقيقة. كيف قضت أيامها المئة الأولى؟ «بطلوع الروح». والمؤشرات تدل على أنها ستستمر كذلك «إلى ما شاء الله»

رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، ووزير الاقتصاد، نقولا نحاس، «طالعة روحن» من وزير العمل، شربل نحاس، الذي «طلّعلو روحو» لوزير المال، محمد الصفدي. والأخير، «طلّع روح» كل وزراء تكتل التغيير والإصلاح الذين «طلّعوا روح» جميع وزراء حركة أمل والنائب وليد جنبلاط. أحد هؤلاء، الوزير غازي العريضي، «طلّع روح» معظم الوزراء بسبب مداخلاته الطويلة. والعريضي «طالعة روحو» من زملائه كونهم «هواة في السياسة». والهواة جميعهم «طالعة روحهم» من وزير الداخلية مروان شربل لأنهم لا يفهمون عليه. الخلاصة الأولية: الحكومة «عم تطلع روحا».
يوم أمس، كان اليوم المئة من عمر الحكومة، بعد نيلها ثقة مجلس النواب. يصعب أن تجد بين أعضائها من هو راضٍ عن هذه الأيام المئة الأولى. فسريعاً، اتضح بأن الحكومة لا تحمل برنامج عمل حقيقياً. كل طرف فيها يغنّي على ليلاه. أو يمكن القول، بعد استطلاع رأي عدد كبير من الوزراء، إن كلاً منهم يتصرّف كما لو أن الوظيفة الحصرية لمجلس الوزراء هي تزويده بالمال للإنفاق على مشاريع وزارته. ومعظم الوزراء غير راضين عن عمل حكومتهم خلال أول مئة يوم من عمرها. ملل جلسات مجلس الوزراء واللجان التابعة له لا يتحول إلى تسلية سوى ببعض النهفات و«البوفيه» والصراخ. صراخ أصحاب المعالي بعضهم على بعض. وقبل أيام، وصل الصراخ إلى أعلى مستوياته بين الوزيرين شربل نحاس ووائل أبو فاعور، رغم أن الأول كان يطرح على زميله أسئلة مشروعة. «أسئلة مشروعة» بشهادة أحد الوزراء غير المعجبين أبداً بشربل نحاس.
ومعظم الوزراء المصابين بالملل يرون أمامهم فرصة لتحقيق نقلة نوعية في الأداء الحكومي. لكنهم يرونها تضيع من بين أيديهم. والسبب الرئيسي لضياعها هو «شخصنة الأداء» على حد قول وزير بارز. يضيف: «أنا لا أتهم أحداً. كلنا نشخصن الأمور، ونصعّب القضايا على أنفسنا من خلال زراعة الأوهام. كما هو الوهم الذي أوقعنا فيه الرئيس ميقاتي عندما قرر أن تطبيق القانون بإزاحة عبد المنعم يوسف عن رئاسة هيئة «أوجيرو»، من دون محاسبته، سيُفقِد ميقاتي شعبيته في طرابلس، وسيظهره كمنصاع لطلبات العماد ميشال عون». ويضرب وزير آخر مثلاً آخر: الشخصنة ظهرت في تهديد وزراء التيار الوطني الحر بالاستقالة لأن مشروع الكهرباء لم يمر بشروط عون. و«الشخصنة» التي يتحدث عنها الوزيران تمنع مجلس الوزراء من إقرار أي مشروع يُطرح عليه إلا بـ«طلوع الروح».
ربما يكون الرئيس نجيب ميقاتي وحده راضياً عن عمل حكومته. فهو وضع لها منذ انطلاقتها هدفين: الاستقرار والعمل. وفي اليوم المئة من عمر حكومته، أكد ميقاتي لـ«الأخبار» أن «الحكومة ماضية في عملها، ومستمرة في الحفاظ على الاستقرار إلى ما شاء الله. وكل ما يمكن أن يقال خلاف ذلك يدخل في إطار تمنيات البعض». الرئيس راضٍ عن أداء حكومته في الفترة الماضية. لكن رضاه يبدو في حده الأدنى. ورغم ذلك، فهو يعد «باستمرار العمل مستقبلاً لحل كل المشكلات التي تواجه البلاد، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وأمنياً».
رضى ميقاتي عن حكومته نابع على ما يبدو من المقارنة البسيطة بين الحكومة الحالية وسابقتها. يعدّد وزير بارز الفوارق: الرئيس ميقاتي موجود في البلاد. الحكومة تجتمع أسبوعياً، وفي بعض الأسابيع، عقدت أكثر من اجتماع. حملت مع انطلاقتها أثقال جدول أعمال ضخماً، عجزت حكومة الرئيس سعد الحريري عن بته، فضلاً عن تولّيها تسوية مقررات الوقت الضائع في مشاورات التأليف… ويلفت الوزير ذاته إلى أن الحكومة الحالية أنجزت خطة الكهرباء «على علّاتها»، وأجرت العديد من التعيينات المهمة: في الأمن العام والأمن الداخلي والجيش والدفاع المدني ووزارة الطاقة والتعليم المهني والتقني والجامعة اللبنانية، فضلاً عن قرب إصدار التشكيلات والترقيات الدبلوماسية المجمدة منذ أكثر من عقد. ويردّ الوزير ذاته على زملائه الذين يتحدثون عن «عرقلة تعيينات» بالقول إن كل اقتراح تعيين ينجزه أي وزير سيجري بته في مجلس الوزراء. وهذه الحكومة، أقرت زيادة الأجور التي أغضبت الكثير من اللبنانيين، إلا أنها في الوقت عينه أرضت الشريحة الأكبر من الأجراء.
ويُجمِع أكثر من وزير على أن «ما يُسَجّل» للحكومة الحالية هو أنها «أنجزت ما أنجزته حتى اليوم»، رغم أنها حكومة أكثرية بسيطة، ويملك كل واحد من مكوناتها قدرة تعطيلها، فيما الحكومة السابقة كانت حكومة «وحدة وطنية» حظيت بثقة أكثر من مئة نائب.
الوزراء المعجبون جزئياً بما أنجزه مجلسهم في الأشهر الثلاثة الأولى من حياته، لا يتوانون في الوقت عينه عن التحسر على كل يوم عن الفرص الضائعة. فالحكومة عاجزة إلى الآن عن تقديم ما يمكن أن يلمسه الجمهور في حياته اليومية. ويتحدّث عدد كبير من أصحاب المعالي عن حقوق بديهية للبنانيين (كالكهرباء والماء والنقل والاستشفاء والسجون والأمن…) كما لو أنها «مستحيلات بالفطرة». وعندما يُسألون عن سبب عدم إقدام السلطة التنفيذية على إحداث تغيير جدي في هذه القطاعات، يبتسمون ويعودون إلى نظرية «طلوع الروح».
و«طلوع الروح» سيحل قريباً على الموازنة العامة، غير الصادرة منذ خمس سنوات، والتي سيبدأ النقاش بها غداً. لكن هذه المرة على نحو متعمد، على ما يصدر عن ألسنة الوزراء. فلا أحد من مكونات الحكومة راغب في الوصول إلى لحظة الحقيقة، يوم يُسألون في المجلس عن رأيهم بتمويل المحكمة الدولية التي يُطلب اليوم ممن تحاكمهم أن يوافقوا على دفع الأموال لها. وعلى هذا الأساس، سـ«تطلع روح الموازنة» قبل إقرارها في مجلس الوزراء، لأن بحثها لن يتم في جلسات متلاحقة، بحسب ما يؤكد أكثر من وزير سياسي. ورغم كل ما يُقال عن أن الرئيس ميقاتي سيستقيل في حال سقوط بند تمويل المحكمة، فإن فريق 8 آذار الوزاري يجزم بأن ذلك لن يحدث، لتبقى الحكومة حيّة بـ«طلوع الروح». وعندما يُسأل ميقاتي عما إذا كان سيستقيل، يجيب: «تولّيت رئاسة الحكومة لأن البلد كان في أزمة، ولأنني أريد إيجاد الحلول».  

السابق
مع السفير السوري في مراجعة الاتفاقات
التالي
بيضون: قد نشهد استقالة ميقاتي