جيل كيبل: المرجعية الدينية أصبحت أقوى لدى الفرنسيين المسلمين

جيل كيبيل، أستاذ العلوم السياسية في المعهد الجامعي الفرنسي، وصاحب كتاب "ضواحي الاسلام"، الخاص بمسلمي فرنسا، والذي صدر منذ 25 عاما، يعود الى موضوعه في مقابلة مع صحيفة "لوموند" (5 تشرين الاول 2011)، هنا مقتطفات منها:
ما الذي تغير لدى مسلمي فرنسا بعد 25 عاما على صدور كتابك "ضواحي الاسلام"؟
عام 1985، كنت اريد ان افهم ظاهرة الاسلام السياسي بعموميتها. اما اليوم فيبدو لي ان الاهم من هذه المعرفة هو النزول الى الميدان ومراقبة المسائل التي تتعلق بالسكن والتربية والعمل والامن والسياسة، اذا اردنا ان نفهم واحدة من اكثر التحولات اهمية في المجتمع الفرنسي خلال السنوات الخمس والعشرين السابقة.
ومن اهم مظاهر هذه التحولات، نشأة الضواحي الشعبية. وهذه الاخيرة لم يكن الخطاب السياسي المهيمن يوصمها بالعار فحسب، انما كان ايضا ينبذها ويهملها ايضا. وكانت هذه غلطة كبيرة، اذ ان مستقبل فرنسا يعتمد على قدرتها على اعادة ادماج الضواحي في المشروع الوطني الكبير. علينا الخروج من الفخ المزدوج القائم، من جهة على تجنّب رؤية المشاكل أو رؤية البؤس الذي يولدها، ومن جهة اخرى الوقوع في اغراء الديماغوجيا الامنية.
ما الذي يلفت نظرك في كليشي ومونت فرماي (ضواح باريسية)؟
اولا حجم ظاهرة البطالة. ليس في الامر جديد، ولكن علينا دائما التذكير به، اذ تبلغ نسبة البطالة في هذه الضواحي حدوداً مرتفعة جدا. وثاني ما يلفتني فيها هو تصاعد الهوية الاسلامية. وهذه الهوية تشكل تعويضا عن تخلّي المجتمع الفرنسي وعن عدم تنفيذ الوعود بالاندماج. وما يزيد من اهمية التصاعد هو ان سكان هذه الضواحي قد تغيروا: في العام 1985، كنت اطرح اسئلتي على مسلمين ليسوا بالضرورة فرنسيين، اذ كنا نتكلم عن "الاسلام في فرنسا". وكنا نعتقد آنذاك ان المرجعية الدينية سوف تضعف. وهذا لم يحصل، بل قوي الاسلام وتنوّع.
كيف تتَرجم هذه الهوية الاسلامية التي اصبحت اقوى؟
اولا بالذيوع الهائل لاستهلاك اللحم الحلال. منذ خمسة وعشرين عاما، لم تكن مسألة "الحلال" هذه تطرح اية مشكلة. اما اليوم فهي علامة في غاية القوة تترجم موقع الاخلاق الدينية في المسالك والتصرفات. وذلك ليس فقط في مجال الطعام فحسب: فالحلال يسجل الممنوعات في الحياة الخاصة والعامة، من السرير الزوجي وحتى رفض تسجيل الاطفال في قائمة التلاميذ الذين يتناولون الطعام في كانتين المدرسة. ولكن هذا التشديد على الهوية لا يجب فهم معانيه حرفيا؛ اذ انه لا يعبر بالضرورة عن رغبة بالقطع مع المجتمع، بل هو ايضا طريقة للمطالبة بالاندماج فيه.
هناك ايضا كثرة الزيجات الداخلية، بين المسلمين انفسهم: وهذه نقطة لطالما اثارت استغرابي، بالقدر ما ان فرنسا بلد تنتشر فيه الزيجات "البرانية" المختلطة. وهذا النمط من الزواج رائج جدا في تلك الضواحي؛ وهو يثير القلق، لأنه يخلق مجتمعا مغلقا.
اخيرا طبيعة المشاركة السياسية: فمنذ احداث 2005 العنيفة، وبعد ان قام سكان هذه الضواحي بتسجيل اسمائهم على لوائح الاقتراع، ظهرت ارادة جدية من قبل نخبها بالرغبة في التاثير في النقاشات السياسية عبر التأكيد على الهوية الجمهورية والديموقراطية، واذا لزم الامر، الهوية الاسلامية(…).
هل للعلمانية معنى في هذه الاحياء؟
العلمانية، كما تتمظهر في المؤسسات، يحترمها هؤلاء (…). ولكنها غائبة عن الحياة اليومية، وهي لم يعد يُنظر اليها بصفتها حاملة للتحرر، بل تبدو وكأنها قيمة خارجية، غريبة عنهم. بالتأكيد، لأنها مرتبطة في ذهنهم بالخطاب الجمهوري وبالتالي بكل وعوده غير المتحقّقة. ان اعادة تأسيس هذا الخطاب يبدو لي اليوم ملحا اذا اردنا انجاح الاندماج الاجتماعي (…).
هل ترى بين سكان هذه الضواحي صدى للثورات العربية الجارية اليوم؟
نحن قمنا بتحقيق ميداني عنها قبل اندلاع هذه الثورات، الا انني الاحظ اليوم تطورا مهما: ما يعيشه الشباب هنا وما يعيشه اولاد عمومتهم في البلاد الاصلية بدأ يتكيف مع اطار العولمة. هناك غليان على ضفتي البحر المتوسط. في النهاية ابقى متفائلا بعد الغوص بدراسة ضاحيتي كليشي ومون فرماي. طبعا الوضع صعب ولكن هذه الاحياء تخبئ طاقات كبيرة مفيدة للبلاد بأسرها. انه التحدي القادم لرئيس الجمهورية المقبل.

السابق
بشار الأسد، هاوي إشعال الحرائق، يتحول إطفائياً
التالي
لا ربط بين حسم الأوضاع في مصر وليبيا والموقف من سوريا