دائرة النار تضيق على إيران

محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن خطيرة ومهمة. الأهم أنها تقفل أكثر فأكثر دائرة النار على الجمهورية الإسلامية في إيران، في وقت دقيق وحساس. الخيارات فيه مفتوحة على كل الاحتمالات. بعضها مصيري. بعد ثلاثة عقود على الثورة، تواجه طهران معركة فريدة من نوعها بالتوازي مع كل المعارك التي خاضتها. لأول مرة هذه المعركة تطال استراتيجيتها السياسية التي بنتها طوال العقود الماضية. الخسارة فيها قد تعني خسارة نصف الحرب وأكثر. على طهران في هذه الحالة مواجهة الواقع بواقعية سياسية فعلية تقلب على أساسها فصلاً عريضاً من تاريخها والبدء بصفحة أخرى بأدوات جديدة وأهداف مختلفة.
مشكلة الجمهورية الإسلامية في إيران، أن العالم تغير ولم تتغير. سقط الاتحاد السوفياتي قبل عشرين سنة وما زالت تتحرك وكأن شيئاً لم يحدث. كان يمكن لطهران أن تتصرف بطريقة أفضل، لكنها لم تفعل. اعتبرت نجاحاتها السابقة في لبنان وفلسطين وأفغانستان والعراق، نجاحات دائمة الى الأبد. لم تشأ القيادة الإيرانية بزعامة المرشد آية الله خامنئي أن تتحرك على قاعدة أن لا شيء دائما غير وجه ربك. الانتصارات يمكن أن تتحول الى هزائم والعكس صحيح طالما أن الجبهات مفتوحة والمتغيرات متحركة.
فائض القوة الذي تعيشه القيادة الإيرانية دفعها الى هذا التشدد. الآن تواجه امتحانين صعبين جداً داخلياً وخارجياً. رغم أن الجمهورية تشهد طفرة في أسعار النفط تحقق لها مداخيل خيالية توازي في حجمها السنوات الخمس لنظام الشاه الأخيرة، فإن قرارات المقاطعة والحصار المصرفي تتعبها لكن لا تربكها حتى الآن. ما يربك القيادة، تشكل القوى السياسية على نار المواجهات الحامية، سواء داخل "البيت الواحد" للمحافظين أو مع الإصلاحيين.
 
المرشد علي خامنئي، أبدى ويبدي على طريقته الخاصة جداً قلقه الكبير من الوضع، خصوصاً بعد الحملات المتبادلة التي وصلت الى حد التخوين والاتهام بمحاولة اغتيال الثورة. فضيحة المصارف السبعة التي بلغت قيمة المسروق منها حوالى ثلاثة مليارات دولار، دفعت الى تبادل قذف كرتها "النارية" دون الأخذ بعين الاعتبار الأخطار التي تهدد بإحراق البيت كله. المرشد خامنئي كلف مستشاره علي ولايتي وقريبه بالمصاهرة حداد عادل بالإشراف كلياً على الانتخابات التشريعية والتحكم بنتائجها ونسب القوى المشاركة. لأول مرة يواجه هذا الترتيب إمكانية الفشل، لأن إيران ليست جزيرة بعيدة عن رياح "الربيع العربي". فيها كل ما تحتاجه هذه الرياح من عوامل ذاتية وموضوعية داخل المجتمع الإيراني لكي تتحول الى عاصفة جديدة. الإيرانيون يعرفون جيداً طعم الثورات وكيفية التعامل معها. ايضاً يواجه نظام ولاية الفقيه تقدم "الحرس الثوري" في كل مواقع السلطة. بعد أخذ مفاتيح قطاع النفط، السؤال كم سيكون حجم كتلة الحرس داخل مجلس الشورى الجديد؟ وما هو الدور الذي يحضر نفسه فيه للعب دور حاسم في نظام ولاية الفقيه؟ هل يقفز قفزة واحدة باتجاه "عسكرة" النظام نهائياً أم يكتفي بما جناه؟
هذه الحالة فريدة في الجمهورية الإسلامية رغم انها سبق ان عاشت معارك حادة في السابق. لأول مرة يبدو الشرخ واضحاً في مواقف الأطراف. منذ أسابيع لوحظ ان الرئيس أحمدي نجاد ووزير الخارجية صالحي أكثرا من الحديث عن التعاون والتفاهم مع السعودية، فهل وصلت حدة الوضع بطرق معينة الى محاولة نسف هذا المسار ولو بالقوة من خلال سيناريو اغتيال السفير السعودي في واشنطن؟ كل شيء ممكن، خصوصاً أن فائض القوة لدى بعض القيادات مثل الجنرال قاسم سليماني يضرب بكل شيء حتى ارتكاب الحماقات السياسية.
خارجياً، تواجه القيادة الإيرانية مع الثورة في سوريا معضلة حقيقية، حتى وان رفضت الاعتراف بوجود ثورة شعبية. السؤال هل يمكن وأصلاً هل يحق للثورة الإيرانية أن تقف مع النظام الأسدي في مواجهة الشعب السوري؟ أيضاً هل يمكنها التخلي عن الاستثمار السياسي لعلاقاتها مع دمشق التي كلفتها طوال ثلاثة عقود الكثير من الجهود والتضحيات المالية والاقتصادية؟ وما هي الطريقة التي يمكن لها أن تحافظ على النظام الأسدي وعلى علاقاتها المستقبلية مع الشعب السوري؟ وفي النهاية ماذا لو تغير النظام الأسدي؟
لا يمكن لطهران ترك النظام الأسدي لمصيره. وهي وان أعلنت بأنها لا تخاف عليه من السقوط، إلا أنها تعمل على أساس خطة ـ ج لمواجهة التطورات المفتوحة على كل الاحتمالات، من ذلك:
[ التأكيد على حق الشعب السوري بالديموقراطية والعدالة والحرية.
[ العمل على أن لا ينظر الشعب السوري الى ان إيران دولة عدوة.
[ التشديد على النظام الأسدي، تنفيذ الإصلاحات لأن ذلك يحول دون أي تدخل خارجي.
[ فتح قنوات الحوار مع المعارضة السورية بجميع أطيافها وأينما كانت سواء في لبنان أو فيينا أو باريس.
[ العمل على عقد اجتماع يكون عملياً "طائف" سوريا، يضم طهران وأنقرة ودمشق والمعارضة السورية. المشكلة هي قبول تركيا عقد مثل هذا المؤتمر الذي يعني إعادة وصل ما انقطع مع النظام الأسدي والاعتراف عملياً بأنه نجا. وأيضاً أي معارضة ستشارك وهل يقبل النظام الأسدي إذا شعر بفائض من القوة الدخول في هكذا تجربة.
المفاوضات بالنار تتطلب تصعيداً لكل المواجهات الحادة. طهران تفاوض على العراق مع الأميركيين وتلعب بنار الأمن والاستقرار في الخليج. تتأقلم السياسة الإيرانية التي لم تتطور مع الفوضى أكثر بكثير من الاستقرار. تعتقد طهران أنه كلما ارتفع منسوب الفوضى ازدادت قدراتها على الضغط وتحصيل ما تريده خصوصاً في العراق وفي سوريا، وهي في كل ذلك تعرف حدود قدراتها وتعمل على التوقف في لحظة معينة حتى لا تنزلق الى الهاوية.
يبدو أن واشنطن أصبحت تعرف أسرار اللعبة الإيرانية، وهي تستخدم الأسلوب نفسه، مع تقديرها بأن قوتها غير محدودة لكن خياراتها محدودة. واشنطن تعمل على مزيد من استثمار اللااستقرار لإنتاج استقرار مقبول لها. كل الاحتمالات ممكنة. 

السابق
الحريري نفى استعداده لقاء الأسد
التالي
الخوري: الوضع في لبنان متشنج وغير امن اقتصاديا وسياسيا ملف التمويل هو الأخطر بالنسبة للحكومة وحزب الله لن يتهاون به