افتتاح مرقدي صاحب المعالم وصاحب المدارك

بتوجيه ورعاية سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله الشريف، قامت جمعية آل البيت (ع) الخيرية بافتتاح مرقدي العالمين الجليلين السيد شمس الدين محمد بن علي بن الحسين الموسوي الجبعي العاملي "صاحب المدارك"، والشيخ جمال الدين الحسن ابن الشهيد الثاني زين الدين بن علي الجبعي العاملي "صاحب المعالم"، في بلدة جباع، يوم الأحد 22 شعبان 1432 هـ المصادف 24 تموز 2011 م.
وأُقيم الاحتفال في النادي الحسيني في بلدة جباع، تحت شعار "إن لعلماء جبل عامل حقًّا في رقابنا" الذي أطلقه الإمام السيستاني دام ظله، بحضور سماحة العلامة الشيخ حسن المصري ممثلاً دولة رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري، ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب الحاج محمد رعد ممثلاً سماحة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، وسماحة المفتي الجعفري الممتاز العلامة الشيخ أحمد قبلان ممثلاً نائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى الامام الشيخ عبد الأمير قبلان، ومدير مكتب سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني دام ظله ورئيس جمعية آل البيت (ع) الخيرية الحاج حامد الخفاف، ولفيف من علماء الدين، وفعاليات سياسية وأمنية وثقافية وبلدية واختيارية واجتماعية.
وبعد تلاوة آيات من القرآن الكريم، كانت الكلمة لرئيس لجنة الوقف فضيلة الشيخ سلمان دهيني. تلتها كلمة سماحة العلامة الشيخ حسن المصري. ثم كلمة النائب الحاج محمد رعد. ومن بعده ألقى عضو جمعية آل البيت (ع) الخيرية الدكتور يحيى الشامي قصيدة شعرية. ثم كلمة مدير مكتب سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني دام ظله ورئيس جمعية آل البيت (ع) الخيرية الحاج حامد الخفاف. ليُختتم الحفل بكلمة المفتي الجعفري الممتاز العلامة الشيخ أحمد قبلان.
وقد أشاد المتكلمون بخطوة المرجعية الدينية في إعمار المرقدين، مثمنين دورها الرائد في القضايا الإسلامية الكبرى. متذكرين أمجاد علماء جبل عامل عبر القرون المتمادية.
وفي ختام الحفل التكريمي توجه الحضور لقراءة سورة الفاتحة أمام الضريحين المرممين اللذين حُفر على كلّ منهما سيرة موجزة عن حياة كلٍّ من العالمين الجليلين "صاحب المدارك" و"صاحب المعالم".

وفيما يلي نص كلمة مدير مكتب سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني دام ظله، ورئيس جمعية آل البيت (ع) الخيرية الحاج حامد الخفاف:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن، صلواتك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعة، وفي كل ساعة، ولياً وحافظا، وقائداً وناصرا ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها الحفل الكريم، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.
في عام 1967 كتب الإمام المغيب السيد موسى الصدر في مقدمته لكتاب تاريخ جباع ما نصه: «لا أخفي أملي الكبير من أجل إقامة مزار يستقبل زائري علماء جباع الماضين قدس الله أسرارهم ويأوى الاوفياء من أبنائها البررة. من أجل إقامة مشهدٍ يرمز إلى تكريم هؤلاء الأبطال، ويُبنى على مزاري صاحب المعالم الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني، وصاحب المدارك السيد محمد قدس الله سرهما، وهما دُرّتا التاج في رأس جباع، ومن أبنائها العظام…».
وفي أوائل عام 2010، هاتفني نجل الامام السيستاني دام ظله، سماحة السيد محمد رضا السيستاني حفظه الله من النجف الأشرف، سألني قائلاً: لقد بلغ مسامع سماحة السيد ان قبرَي الشيخ حسن صاحب المعالم والسيد محمد صاحب المدارك مهملان في جباع، فهل هذا صحيح؟ أجبت قائلاً: نعم صحيح. قال: اذن سماحة السيد يرغب بإعمارهما بما يليق وشأنهما، وسماحته سيؤمن المبالغ اللازمة لذلك من الهدايا والتبرعات، باعتبار ان سماحته لا يجيز صرف الحقوق الشرعية لبناء الحسينييات والمساجد والمراقد. قلت: إن رغبة سماحة السيد أمرٌ نافذ بالنسبة لنا.
وبالفعل بدأنا العمل فوراً، وشكلنا لجنة لمتابعة الموضوع وأنجزنا المهمة في غضون سنة ونصف تقريباً، والحمد لله.
وبين أمنية الامام المغيب، ورغبة المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف نعتقد أنه من توفيق الله عزّ وجل لنا في جمعية آل البيت (ع) الخيرية أننا كنا الوسيلة لتحقيق هذه الرغبة المباركة.
أما صاحبي المناسبة، فهما: السيد شمس الدين محمد بن علي بن الحسين الموسوي الجبعي العاملي. ولد سنة 946 هـ، أمّه ابنة الشهيد الثاني، درس العلوم الدينية في جبل عامل، ثم سافر إلى النجف الأشرف حيث درس مع خاله الشيخ حسن على يد المقدس الاردبيلي _زعيم الطائفة الامامية في عصره_ عاد بعدها إلى موطنه منصرفاً للتحقيق والتأليف حتى توفي سنة 1009 هـ. قال عنه الشيخ الحر العاملي في أمل الآمل: كان عالماً فاضلاً متبحراً ماهراً محققاً مدققاً زاهداً عابداً ورعاً فقيهاً محدثاً كاملاً جامعاً للفنون والعلوم، جليل القدر، عظيم المنزلة. ومن أشهر مؤلفاته كتاب "مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام" الذي يعتبر من أحسن الكتب التي عرفت بمتانة الاستدلال، والاعتماد على الروايات المسلّمة الاعتبار، وما زال علماؤنا وفقهاؤنا منذ أيام تأليفه وإلى اليوم يعتمدون عليه، ويعدّونه من أهم الكتب المعتمدة في نقل الأقوال، ولأهميته الكبرى واشتهاره بين العلماء، يعرّف مؤلفه به، فيقال: السيد محمد صاحب المدارك. وقد وفقنا الله _قبل سنوات_ في مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث لتحقيقه على مخطوطات أصيلة ونشره في ثمانية أجزاء.

والشخصية الأخرى، هو الشيخ جمال الدين، أبو منصور الحسن بن الشهيد الثاني الجبعي العاملي. ولد سنة 959 هـ، درس في جبل عامل، ثم انتقل إلى النجف الأشرف ناهلاً من علومها، متلمذاً مع ابن أخته السيد محمد على يد المقدس الاردبيلي، عاد بعدها لموطنه مشتغلاً بالتدريس والتأليف حتى توفي سنة 1011 هـ. امتاز بقوة تحقيقه ودقة نظره، وبمنهجه المعروف في استنباط الأحكام القائم على رؤيته في عدم حجية غير الحديث الصحيح والحسن. قال عنه الشيخ عبد الله أفندي في رياض العلماء: الفقيه الجليل، والمحدث الأصولي، والكامل النبيل، كان علامة عصره، وفهامة دهره. ومن أشهر مؤلفاته كتاب الخالد "معالم الدين وملاذ المجتهدين" الذي اعتمدته الحوزات العلمية في التدريس من عصر مؤلفه وحتى اليوم. ولأهميته واشتهاره بين العلماء _كسابقه_ يُعرف المؤلف به، فيقال: الشيخ حسن صاحب المعالم.
ومن غريب الصدف ان السيد محمد وخاله الشيخ حسن عاشا ودرسا وسافرا سوية، وعرفا بكتابيهما معاً، وتجاورا في الموت أيضاً.

أيها السادة الكرام،
إن تكريم هذين العَلَمين الجليلين، يقودنا إلى تذكّر الكبار الكبار من علماء جبل عامل الجباعيين، نتذكر الشهيد الثاني المتوفى سنة 965 هـ، وحركته العلمية، وتراثه العظيم، ونتذكر الشيخ البهائي المتوفى سنة 1030 هـ، وعلومه النادرة، وانجازاته في العلوم البحتة، كالفلك والرياضيات والهندسة، التي أبهرت الشرق والغرب لحد الآن، حتى أن كتابه "خلاصة الحساب" تُرجم إلى عدة لغات عالمية.
ونتذكر الشيخ الحر العاملي المتوفى سنة 1104 هـ، ونتاجه الموسوعي المميز، "تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة"، الكتاب المطبوع في ثلاثين جزءاً والذي عليه معوّل مجتهدي الشيعة من عصر مؤلفه إلى اليوم.
الشيخ الحر العاملي المشغري الجباعي الذي عرفناه فقيهاً ومحدثاً عظيماً من خلال كتابه هذا، يجهل الكثيرون أنه أول عالم من علماء الامامية على الاطلاق نظم أول منظومة في علم الهندسة، نظمها في جباع لطلابه كي يسهل عليهم حفظ المباحث الهندسية، أي انه كان يدرس علم الهندسة في جباع، كان ذلك في عام 1056 هـ قبل سفره إلى العراق وايران.
وهذا غيض من فيض تلك الثلة الطاهرة من العلماء الذين ملأوا الدنيا وشغلوا الناس علماً وجهاداً، الذين بقي نتاجهم العلمي والمعرفي رغم السنين المتمادية غظاً طرياً تعتمده الحوزات العلمية إلى يومنا هذا رغم تطور المناهج التعليمية. العامليون وتراثهم العلمي والجهادي قرة عين التشييع، وللأسف الشديد فهم لم يأخذوا مكانهم الطبيعي في فكرنا وحياتنا وحركتنا، وهذا الكلام برسم المعنيين بالوضع الشيعي في لبنان على المستويات الرسمية والدينية والسياسية والشعبية. نحن بحاجة إلى تثوير سيرة وثقافة العلماء العامليين وانتشالها من كتب التراث لتصبح اسماءهم عناوين للساحات العامة والشوارع الرئيسية والمشاريع الخيرية الكبرى فضلاً عن ادخالها إلى مناهج التربية والتعليم في المراحل الدراسية كافة.

 أيها الحفل الكريم،
لقد سمعت من سماحة السيد السيستاني دام ظله الشريف شخصياً، في استقباله لوفد من فضلاء العامليين انه قال: «إن لعلماء جبل عامل حقاً في رقابنا». ولذلك لم استغرب رغبة سماحته دام ظله في اعمار مرقدي العالمين الجليلين الشيخ حسن صاحب المعالم، والسيد محمد صاحب المدارك.
إننا نأمل ان يشكل افتتاح المرقدين حافزاً لفعاليات هذه البلدة الطاهرة، ليتحملوا مسؤولياتهم تجاه تاريخها العريق الذي يعنيهم أولاً، ويعني العالم الإسلامي برمته ثانياً، ولا أبالغ. هم مدعوون لابراز الوجه الحضاري والعلمي والتاريخي لجباع لتكون محجة للزائرين، ومقصداً للعلماء والباحثين.
في جباع يتراءى ألق المعرفة، وأريج الفكر، وعبق الفقاهة، وفي عيون ابنائها، وأبناء جبل عامل، ترى شموخ الشهيد الثاني وجهاده، وهمة البهائي وطول باعه، وعمق الحر العاملي وانتباهه، والقوم أبناء القوم، وهم في ساحات العلم كما في ساحات الجهاد أساطين وأبطال.
إن شعباً تجري في عروقه دماء الشهيدين الأول والثاني لن يعرف الذل والهوان، ولن يكون إلا مقاوماً للطغيان والعدوان وصدقوني ان الملاحم البطولية التي سطرها المجاهدون المقاومون في هضاب عاملة وتلالها إبان العدوان الاسرائيلي الآثم في تموز 2006 دفاعاً عن الأرض والعرض لم تأت من فراغ، لأن روح المقاومة تنتقل في اصلاب الآباء وارحام الأمهات، وان شهامة الأجداد وغيرتهم يتوارثها الآباء والأبناء.
ولا تلد الحيّات إلا صلالها ولا أسدٌ إلا وينجب ضيغما

وفي الختام، أتقدم بأسمى آيات الشكر والاحترام والتقدير إلى سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله الشريف على تنبهه لما غفلنا عنه، وتوجيهه لنا لانجاز هذا المشروع المبارك. كما أشكر سماحة العلامة السيد نسيم عطوي الذي بنى الهيكل الاسمنتي للمرقدين منذ عقدين من الزمن وتوقف العمل.
كما أشكر كافة الاخوة الاعزاء الذين أعانوننا في كافة مراحل المشروع فلله درهم وعليه أجرهم، والشكر متواصل أيضاً لكل من شرفنا بحضوره ومشاركته باحتفالنا هذا.

وآخر دعواي ان الحمد لله رب العالمين.

والقصيدة الشعرية التي ألقاها عضو جمعية آل البيت (ع) الخيرية الدكتور يحيى الشامي:
بيضُ العمائم، لا الصوارمْ والسّودُ مِن تلك العمائمْ
وجَماعُ صحْفٍ سُوّدتْ بمدادِ محبرةٍ لعالم
هي ما يزينكِ، يا جباعُ وإنّها إحدى العظائم

لا السفحُ يَغويني، جباعُ إذا تألّق وهْو باسم
كلاّ، ولا تلك الرّوا بي الخضر يغشاها غمائم
نشوى تَهادى من لَيا نٍ إذ تداعبها النسائم
ما ريحُ أذكاها نسيماً ما النجودُ، وما التهائم
بإزاءِ ما في راحتيْكِ من النفائس والمغانم

طيباً، جبـاعُ، وطاب ريحُـكِ والثرى مـا قـام قائـم
حسبي اجتـلاءُ المجـدِ مجـدِكِ من جحاجحةٍ قماقـم
شدّوا الرحالَ إلى طِلا بِ العلمِ، لا ثوها عمائم
لم تَثنهم أبداً صِعا بٌ، لم تُفتَّ لهم عزائم
فإذا همُ نَوْرُ الأزا هِرِ في الجنائن، والبراعم
وإذا جباع منارةُ العلماءِ، عاصمة العواصم

طيباً، جبـاعُ، وطـاب ريحُـكِ والثرى مـا قـام قائـم
فلأنتِ بالأمسِ القريب حضنتِ من كَتَبَ "المعالم"
وحضنتِ من بالأمسِ قد كتب "المدارك" غيرَ غارم
عَلَمانِ كانا زينةَ الأعلامِ في الكُتُبِ التراجم
فخذِ المدارك والمعا لمَ عنهما، خذها توائم
خذها كما الماء الزلا لِ، إذا تحدّر في الحلاقم
صفواً، ولا أَمْرى، وما كلُّ المشارب والمطاعم
بدعاً من الأحكامِ وا ضحةَ المقاصد والمعالم
هي في الأصولِ، وفي فرو عِ الدينِ تترى، لا تُزاحم
مِن فقهِ آلِ محمّدٍ خذها حلالاً غير آثم
عن جعفرٍ، خذها وعن آبائهِ الغُرّ الأكارم

عن جدّهـم، عن جبرئيـل عن الذي خلق العوالم

أجباعُ، يا مسرى النسيمِ الطلقِ، مشوقةَ المباسم
ومحجّةَ الأحرار، مثوى الغابرين أولي العزائم
هبَّ النسيمُ صَباً، فها كِ تحيّةً، والشوق عارم
من جعفريٍّ هام في حُبّ الحسينِ وحبّ فاطم
حرّى مدامعُهُ، جرتْ في المقلتين أسىً، سواجم
من عامليٍّ سلَّ سيف الحقّ، من حُرٍّ مقاوم
سئم الحياةَ مذلّةً سئم الهزائم والمظالم
هزّته فاجعةُ الطفو فِ، فأزّها في وجه ظالم
ناراً تأجّجُ من لظى حمراء، سطّرها ملاحم
حفلتْ بأروعِها انتصا راتٍ محتْ عصرَ الهزائم

السابق
نعيم قاسم: الهدف من الاتهامات الاميركية هو تشويه صورة إيران في العالم العربي والإسلامي
التالي
القادري: الحكومة أعادت الانتشار السياسي السوري في لبنان