ما بعد المخطط

الصحف الاميركية التي شككت في غالبيتها بالمخطط الايراني لاغتيال السفير السعودي في واشنطن، فعلت ذلك من منطلق الحرص على سمعة إيران والدفاع عن مهارتها وتجربتها في الأمن والاستخبارات، وانتقلت على الفور الى الحديث عن خطوات الرد على لجوء طهران للمرة الاولى الى تخطي الخط الاحمر في صراعها مع اميركا، من خلال سعيها الى تنفيذ عملية ارهابية داخل الاراضي الاميركية بعدما كان هذا الصراع يدور بواسطة وكلاء للجانبين وعلى أراض وجبهات بعيدة.
كان هناك ما يشبه الاجماع في الاعلام الاميركي على القول ان مثل هذا المخطط ليس من تقاليد إيران ولا من عاداتها وهو لا ينسجم مع كفاءة اجهزتها، التي لا يمكن ان تعتمد على تاجر سيارات مستعملة يحمل الجنسية المزدوجة ويعرف بأنه محتال لكي يتصل مع تجار مخدرات مكسيكيين ويطلب منهم تنفيذ عملية الاغتيال ويحول لهم بطريقة مكشوفة مبلغ مئة الف دولار كدفعة على الحساب قبل ان يقع في فخ مخبر للامن الاميركي.

لكن التشكيك بذلك المخطط الذي لا يليق بإيران حسب توصيف الاعلام الاميركي، صار الان من الماضي. وفتح حساب اميركي جديد مع إيران، رصيده الاول هو تسليط اضواء اميركية مباشرة على الاجنحة الداخلية في النظام الاميركي، بأمل اختراقها وتصعيد الخلاف ما بينها، الذي كشفه الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد نفسه خلال زيارته الى نيويورك الشهر الماضي واحتواه المرشد آية الله علي خامنئي على الفور بشكل علني حاسم، وذلك قبيل افتتاح المعركة الداخلية في ايران التي تلوح بوادرها حاليا مع الاستعداد لتنظيم الانتخابات النيابية في الربيع المقبل. 
ولم يكن من المصادفة ابدا ان يتردد على لسان كبار المسؤولين الاميركيين في اليومين الماضيين، كلام علني يربط بين هذا المخطط وبين الخلاف الداخلي الايراني وصل الى حد الجزم في ان الرئيس نجاد ليس على علم به، ويوحي بأن ثمة جهازا او فرعا من فروع النظام في ايران ينصب فخا لمنافسيه ويريد تشويه اسمهم او ربما قطع اتصالاتهم السرية مع واشنطن.. وانهاء ذلك الاختراق السياسي الاميركي لطهران في مستهل مرحلتها الانتقالية الحساسة. وهو هدف يمكن الزعم الان انه تحقق بالفعل، ولن يكون بإمكان اي مسؤول ايراني ان يغامر في التواصل مع الاميركيين تحت اي عنوان.

اغلب الظن ان الكشف الاميركي عن المخطط لم يكن يستهدف فقط العبث في الداخل الايراني. ثمة ما يبرر الاعتقاد ان واشنطن، التي استخدمت هذه المرة اسم السعودية المدوي، تفتتح حملة ضارية على ايران ونظامها من اجل حصره داخل حدوده في فترة الاستعداد لآخر خطوات الخروج الاميركي من العراق، وربما ايضا اولى خطوات الدخول الاميركي الى سوريا. على الجبهتين العراقية والسورية اختبار مشترك وحاسم، وربما نهائي، لموقع ايران ودورها الاقليمي.. الذي كان يحتمل الكثير من المساومات والتسويات بين واشنطن وطهران، قبل ان يطل كبار المسؤولين الاميركيين على شاشات التلفزيون في اليومين الماضيين ليعلنوا حالة الحرب مع ايران!
هكذا هي الرؤية من بيروت، التي قرعت فيها بعض أجراس الإنذار الاضافية. 

السابق
الجمعيات في النبطية… واقع مشتت في ظل هيمنة سياسية وحزبية خانقة !!
التالي
اعتراضات على أشغال الإرث الثقافي أمام السرايا الحكومية في صور