لماذا تخاف إسرائيل السلام مع سوريا؟

نشر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق الجنرال أوري ساغي مؤخراً كتاباً روى فيه ذكرياته عن الفترة التي قاد فيها المفاوضات مع سوريا في العام 2000.
ويحمل الكتاب عنواناً هو «اليد التي جمدت: لماذا تخشى إسرائيل السلام مع سوريا أكثر من الحرب معها؟». وقد عرض عدد من المعلقين الإسرائيليين لفحوى الكتاب بينهم عكيفا ألدار في «هآرتس» ورافيف دروكر في القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي. ومن تعليقات الاثنين يمكن الاستنتاج أن إسرائيــل عملــت ما في وسعها من أجل إحباط أي تسـوية مع سوريا.

ويكتب ألدار، في «هآرتس» تحت عنوان «كيف أفلحنا في إحباط السلام مع سوريا»، أن سجالاً يدور في إسرائيل حالياً حول معنى السلام مع سوريا في ظل الأحداث الجارية هناك. ويوضح أن البعض في إسرائيل يعتقد أن السلام مع سوريا والثمن الذي يستحقه بات موضوعاً أكاديمياً لا يستحق للعامة الانشغال به. ولكنه خلافاً لذلك يرى أن الموضوع السوري سيعود بقوة إلى الواجهة بعد استقرار الأوضاع هناك.
ويتساءل ألدار من وحي الكتاب عن سبب خشية إسرائيل من الثمن الذي قد تدفعه جراء السلام مع كل من الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين. ويضيف «هل الخطر من تخليد الاحتلال والنزاع في كل الجبهات ليس أكبر من خطر أن ينتهك جيراننا اتفاق السلام، ويستغلوا الأرض التي ستعاد إليهم في الحرب المقبلة؟ وهل في عصر الصواريخ بعيدة المدى، القادرة على إصابة كل موضع تقريباً في إسرائيل، هناك معنى لكيلومترات محدودة؟ وهل التواجد في هضبة الجولان وغور الأردن يسهم في توفير الأمن لإسرائيل أكثر من اتفاق سلام مع سوريا، لبنان والفلسطينيين، يُضعف قوة إيران والمنظمات التخريبية ونفوذها في المنطقة؟».

ويقول ألدار إن قيمة كتاب أوري ساغي تكمن في أنه يتعلق بعدد من النفوس التي لا تزال فاعلة في مركز صنع القرار في إسرائيل. ويشدد على أن العنوان الرئيس للكتاب «اليد التي جمدت»، وهي يد إيهود باراك كرئيس للحكومة، تنطوي على أجوبة على الأسئلة المطروحة. وكان باراك نفسه هو من فوّض ساغي، الذي ترأس الاستخبارات العسكرية بين العامين1991و1995، بإدارة المفاوضات على المسار السوري. وبحسب ألدار فإن الكتاب يعــزز مواقف كل من دينيس روس ومارتن أنديك، من طاقم المفاوضات الأميركي، التي رأت أن باراك ضيّع الفرصة، في حين يلقي باراك بالذنب في ذلك على الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد. 
ويكتب ألدار أن ساغي في الصفحات الأولى من كتابه يصف مأدبة العشاء التي أنهت لقاء شبردستاون في كانون الثاني العام 2000، حين خرب باراك الطبخة قبل أن يقدمها الرئيس الأميركي حينها بيل كلينتون على طبق لضيوفه من تل أبيب ودمشق.
ويستذكر ألدار أنه بعد أيام من ذلك العشاء نشر في «هآرتس» مسودة مفصلة لاتفاق سلام قدّمه الأميركيون للطرفين، وهي مسودة لا تزال تشكل أساس إنهاء النزاع بين سوريا وإسرائيل. وكان ساغي بين من شاركوا في إعداد تلك المسودة. وكان ساغي هو من جلس إلى جانب إيهود باراك وأمنون شاحاك في اللقاء الذي توجّه فيه وزير الخارجية السوري حينها فاروق الشرع إلى الرئيس كلينتون قائلاً، كما جاء في كتاب ساغي: «لو أنني اضطررت، سيدي الرئيس، لاستخدام لغة غير دبلوماسية ـ لقلت إنهم خدعوني. نعم، السيد باراك خدعني. في بلير هاوس اتفقنا على أجندة، هل هذا صحيح سيدي الرئيس؟». قطب كلينتون حاجبيه، وصرّ أسنانه، لم ينكر… تحدّث الشرع نصف ساعة وكانت كل كلمة منه صخرة. وكإسرائيلي لم أشعر بالأنفة… لقد قال لرئيس حكومة إسرائيل إنه يكذب، وأنه غير موثوق، وأنه يعد ولا يفي، وأنه يخدع الجميع. وطوال هذا الوقت كان يلقى تأييداً لكلامه من الرئيس الأميركي. قال كلينتون: «أنت محق مئة في المئة». وينهي ساغي تلك الفقرة بالقول: «والأفظع من كل ذلك هو أن الشرع لم يخطئ».

واعتبر ألدار أن التوثيق المفصّل والتشخيص الحاد لساغي بشأن الطريقة التي أدار بها باراك المفاوضات مع سوريا تغني النقاش حول الروايات والحكمة في ما يتعلق أيضاً بالمفاوضات مع الفلسطينيين في كامب ديفيد العام 2000، حينما وصلت المفاوضات في شبردستاون إلى لحظة الحسم. ويشير ساغي في كتابه إلى أن باراك كان مهتماً بـ«قضايا مصيرية» من نوع هل سيصافح الشرع أم لا، ومتى ينهض أو يجلس. واعتبر ساغي ذلك أشبه بالجرّاح الذي يجادل حول ترتيب أدوات الجراحة فيما المريض أمامه ينزف بغزارة. ويصف ركض باراك في الدهاليز، «في رحلته إلى لا مكان»، وفي النهاية يشبّهه بالمظلي الذي يريد تسجيل سبق تاريخي، ولكنه في اللحظة الأخيرة يتشبث بأبواب الطائرة ويرفض القفز. ويلخص ساغي سلوك باراك في اللقاء بأنه «جنون».

ويؤكد ألدار أن ساغي ليس مثالياً عديم الجذور كما أنه ليس من الأيديولوجيين المسالمين، لأن السلام في نظره ليس هدفاً بحد ذاته وإنما «وسيلة لتعزيز الأمن القومي لإسرائيل».
ويكتب ساغي في كتابه أن «السجال ليس حول الجولان وإخلائها المحتمل وإنما حول قدرة دولة إسرائيل على البقاء في أدغال الشرق الأوسط». ويتساءل ساغي حول ما كان يمكن أن يحدث لإسرائيل في زمن الانتفاضات العربية هذا لو لم تكن قد حصنت نفسها بمعاهدات سلام مع مصر والأردن «إذ يستحيل مواصلة الارتكاز إلى قوتنا العسكرية، مهما كانت هذه القوة». ويخلص ساغي في هذا الجانب إلى أن «الجيش الإسرائيلي مؤهل للدفاع عن دولة إسرائيل وحدودها، غير أن الثمن المتوقع لأي حرب مستقبلية هو من النوع الذي يستدعي الاتزان قبل وقوعها». وأشار إلى أنه تكفي اللبيب في إسرائيل نظرة واحدة إلى الوضع السياسي لإسرائيل منذ حرب «الغفران» العام 1973 وحتى اليوم.

ويحاول ساغي في الكتاب الإشارة إلى أن كثيراً من مواقف السياسيين من التسوية مع سوريا لا تستند إلى معرفة. وفي رأيه أن النزاع مع سوريا أسهل بكثير من النزاع مع الفلسطينيين. ويؤمن أن التسوية مع سوريا ستسرع المفاوضات مع الفلسطينيين، لأن الخطر الملموس هو أن الجمود السياسي سيفكك السلطة الفلسطينية وسيقود إلى فوضى في الأراضي الفلسطينية. ويعرض ساغي في الكتاب خريطة هي الأشد تفصيلا للمفاوضات مع سوريا، وتظهر أنه من ناحية برية (خلافاً لموضوع المياه) من الأفضل لإسرائيل حدود الرابع من حزيران، وليس الحدود الدولية. ويوضح أنه بعد أن عرض الخريطة على السوريين قالوا له إنه إذا قبل الجانب الإسرائيلي خطوط الرابع من حزيران كأساس للمفاوضات فإنهم سيبدون مرونة بشأن الخط النهائي للحدود.

ويبين رافيف دروكر، في موقعه على شبكة الانترنت، أن الشرع قال فعلاً في المفاوضات إنه ليس هناك فعلا خط 67 وأن هذا الخط بحاجة إلى إعادة رسم، ولكن هذا لا يعني أنه قبل بخريطة ساغي. فالسوريون لم يبدوا استعداداً لا لفكرة تبادل الأراضي ولا لفكرة «السيطرة» بدل «السيادة» التي دعا إليها الإسرائيليون. وصحيح أن أحد السوريين قال عن مياه طبريا أنها ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية ولكن هذا لا يعني موافقة السوريين على أن الطرف الشمالي الشرقي من البحيرة سيبقى تحت السيادة الإسرائيلية.
ويوضح دروكر أن لكاتب سيرة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، دوراً في الاتصالات بين سوريا وإسرائيل، حيث أن ساغي بنفسه قاده في رحلة إلى هضبة الجولان المحتلة ليوضح له تعقيدات الوضع في الجولان. كذلك فإن ساغي يوضح أن بنيامين نتنياهو ومستشاره عوزي أراد كانا على استعداد، في المفاوضات التي أجرياها مع الأسد، للنزول إلى خط حدود يستند إلى «خطوط 67 والحدود الدولـــية». ولكن ساغي لا يعرف لماذا يواصــلان حتى اليوم إنكار ذلك. 

السابق
اعتراضات على أشغال الإرث الثقافي أمام السرايا الحكومية في صور
التالي
جنبلاط: المسدس لـم يعد في رأسي