السفير: نار التمويل تقترب … ولا موّال حكومياً موحداً للأجور

بعدما أمعنت بعض الأوساط بقرارها القاضي بزجّ المدينة في آتون الأزمة السورية المفتوحة، وهو الأمر الذي استوجب اتصالات سياسية مكثفة من جانب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وإجراءات أمنية موازية يتولاها الجيش اللبناني بشكل أساسي.
وفي السياسة، ظل الاهتزاز سمة القرارات الحكومية المبتورة بالرفع الجزئي للأجور وتمييزها الفاضح بين الموظفين والعمال وتقسيمهم إلى فئة محظوظة وفئة مظلومة، مثلما بدت مكوّنات الأكثرية حذرة في مقاربة ملف تمويل المحكمة الدولية، في محاولة لمنع أية ارتدادات سلبية على الوضع الحكومي المهتزّ أصلاً، فيما بدت مواقف الرئيس عمر كرامي الذي التقى مؤخراً كلاً من الرئيس السوري بشار الأسد والأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، واضحة بإعلانه للمرة الثانية في غضون أقل من 48 ساعة أن تمويل المحكمة الدولية لن يمرّ لا في مجلس الوزراء ولا في مجلس النواب.

هذا الموقف الذي لم يجاهر به حزب الله علناً، حتى الآن، سمعه أيضاً رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، خلال اللقاء الذي جمعه بالسيد حسن نصر الله قبل ساعات عدة، وذلك عشية إطلالة الزعيم الدرزي المرتقبة مساء اليوم، مع الزميل عماد مرمل عبر شاشة المنار، والتي سيضمّنها سلسلة مواقف من التطورات الداخلية والإقليمية ولا سيما الأحداث السورية.

وتؤكد مصادر واسعة الإطلاع لـنا أن قرار ميقاتي بالالتزام بالتمويل، «هو قرار نهائي ولا مجال للتراجع فيه، وإذا وصلت الأمور إلى حد الاختيار ما بين التمويل وبين استمراره في رئاسة الحكومة، فسيختار تمويل المحكمة ولو كان الثمن الاستقالة من الحكومة لأنه سيعتبر أن تصويت الحكومة لمصلحة عدم التمويل بمثابة قرار بسحب الأكثرية ثقتها به وعندها لا يعود هناك موجب لأن يستمر دقيقة واحدة في رئاسة الحكومة».

إلا أن المصادر تلفت الانتباه إلى أن ميقاتي لم يقطع الأمل حتى الآن، بتمرير هذا الموضوع بأقل الخسائر الممكنة، من دون أن تستبعد تلك المصادر حصول مشاورات قريبة بين ميقاتي وقيادة حزب الله بالإضافة إلى الرئيس نبيه بري الذي كان قد نصح رئيس الحكومة بعدم الاستعجال بوضع مشروع قانون الموازنة على جدول الأعمال، إفساحاً في المجال أمام المزيد من الاتصالات حتى لو اقتضى الأمر تأخير درس الموازنة حتى نهاية العام الحالي، كسباً للوقت ولاحتمالات إيجاد مخارج توافقية.
في هذا الوقت، لم تعكس زيارة قائد الجيش العماد جان قهوجي إلى واشنطن منذ يوم الاثنين الماضي، أي تعديل في قرار تجميد المساعدات العسكرية الأميركية إلى الجيش اللبناني.

وكتب مراسل «السفير» في واشنطن جو معكرون أن قهوجي عقد لقاءات عسكرية أبرزها مع رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأميركي الجنرال مارتين ديبمسي على مدى ساعة ونصف الساعة ومع قائد القيادة الوسطى الجنرال جيمس ماتيس. ووصف المساعد الخاص للشؤون العامة لرئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأميركي الكولونيل دايف لابان الزيارة بأنها «ناجحة».
 
وقالت مصادر أميركية مطلعة على مضمون محادثات قهوجي لنا إنه كان هناك «تفهم نسبي» من الجانبين خلال هذه اللقاءات، أي تفهم أميركي لطبيعة دور الجيش اللبناني والبيئة التي يعمل فيها وتفهم لبناني بأن برنامج المساعدات مرتبط بموقف الكونغرس. والعلاقة بين قهوجي والقيادات العسكرية الأميركية كانت «ودية».

وأكد مصدر في وزارة الخارجية الأميركية لـ«السفير» أن علاقة الجيشين الأميركي واللبناني «قوية جداً ونحن ندعم تمويل برنامج المساعدات العسكرية إلى الجيش اللبناني». وذكرت المصادر الأميركية انه خلال اجتماع قهوجي مع نائب وزيرة الخارجية وليم بيرنز ومساعدها لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان أعاد الجانب الأميركي التشديد على الرسائل التي حملتها السفيرة الأميركية في بيروت مورا كونيللي إلى المسؤولين اللبنانيين، أي «المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وحماية المعارضة السورية».
على الصعيد المطلبي، لم تفلح محاولة استدراك خطأ سقف المليون و800 ألف ليرة، بل على العكس برز مزيد من المفارقات، تجلّت في الإصرار الحكومي على هذا الخطأ، وأيضاً في ما أعلنه وزير المالية محمد الصفدي، أمس، من «أن الزيادة التي ستقر في القطاع العام ستشمل كل الأجور من دون التوقف عند سقف المليون و800 ألف ليرة كما حصل في القطاع الخاص. وأما بالنسبة لمن تفوق رواتبهم المليون و800 ألف ليرة في القطاع الخاص فسيتفاوضون مباشرة مع رب العمل».

وتجلت محاولة الاستدراك الفاشلة في لقاء الاتحاد العمالي العام مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، حيث أكدت مصادر الاتحاد انه ذهب للقاء رئيس الحكومة، بهدف طرح ما يتعرّض له من حملات، لا سيما من المظلومين من العمال والموظفين الذين حرموا من الزيادة، بحيث أدى ذلك إلى استفادة عمال وموظفين جدد، واستثناء موظفين قدامى باتت رواتبهم أقل من رواتب الجدد، ومنهم أصحاب رتب في مؤسسات، بمعنى أن التراتبية والأقدمية ضربها قرار تصحيح الأجور.
وقالت المصادر لـنا إن وفد الاتحاد العمالي طلب من ميقاتي تصحيح الخلل المتمثل بحرمان أصحاب المداخيل التي تفوق مليوناً و800 ألف ليرة مشيرة إلى وعد بالايجابية أعطاه الرئيس ميقاتي، إلا أن مصادر رئيس الحكومة أوضحت أن ميقاتي لم يقدم وعداً للاتحاد العمالي بإعادة النظر في قرار مجلس الوزراء، وأكدت أن قرار تصحيح الأجور نافذ كما صدر عن مجلس الوزراء، وبالتالي لا إعادة نظر فيه، وان الرئيس ميقاتي لم يعد الاتحاد العمالي بشيء من هذا القبيل، ولكن ستكون هناك خطة تصحيح لكل الوضع المعيشي والاجتماعي عبر التقديمات الأخرى الشاملة التي تدرسها الحكومة في اللجنة الوزارية المكلفة دراسة الوضع الاجتماعي ووضع حلول ومقترحات.

وقال وزير العمل شربل نحاس رداً على سؤالنا إن القرار الذي صدر عن مجلس الوزراء بتصحيح الأجور واعترضنا عليه، لا يُلغى أو يُصحّح إلا بقرار يصدر عن مجلس الوزراء، ولكني وفقاً للقانون أنا ملزم بان أُعدّ مرسوم تصحيح الأجور كما صدر عن مجلس الوزراء، برغم اعتراضي، والفريق الذي نمثل، عليه.

وأضاف نحاس مستدركاً: لكني أعمل على صيغة للمرسوم بشكل لا يورثنا مستقبلاً دولة ومواطنين أي مشكلات غير محسوبة، مثل ما بدأ الحديث عنه من إقامة دعاوى أمام شورى الدولة (دعوى الهيئات الاقتصادية) وربما المحاكم مستقبلاً، خاصة أن هذه الزيادة كما أقرت ستسبب مشكلات كبيرة ومنها مثلا مشكلات بين المالكين والمستأجرين الذين لن يحصلوا على الزيادة. خاصة أننا لا زلنا نعيش ذيول الدعاوى التي أقيمت بعد الزيادة العشوائية المقطوعة على الرواتب عام 2008، نظرا لما سببته من مشكلات. لذلك قلنا إن هذا القرار غير قابل للتنفيذ عملياً وهو دليل تراجع في ذهنية التشريع وفي مقاربة الأمور القانونية والإدارية، وسابقة تاريخية لم تحصل حتى في أحلك أيام الحرب والفوضى.
وعن المهلة التي سيستغرقها لإنجاز المرسوم قال نحاس: مفروض أن يكون منجزاً في الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء، ما لم يطرأ أي مستجدّ. 

السابق
عندما تلتقي المصالح تختلف الرؤى!
التالي
الحياة: السنيورة يؤكد تمويل المحكمة دَيْن على لبنان وكرامي لن يمرّ في الحكومة ولا في البرلمان