يا عمال لبنان..كونوا طائفيين

من أجل حفنة من الليرات الهزيلة، تراجع الاتحاد العمالي العام عن الاضراب. وقائع الأيام السابقة على انعقاد جلسة مجلس الوزراء أمس الأول، كانت تنبئ «بربيع نقابي ساخن»، وفق تقديرات المؤمنين السذج بالأقوال… لا بالرجال.
أسفرت المفاوضات الماراتونية عن مشهد جدير بالتظهير، لاستخلاص العبر، ولعدم الوقوع في التفاؤل، وتحديداً، من أجل ضبط الآمال، المبنية على قانون انتخابي جديد، يتمتع بمواصفات النسبية والشفافية و.. التي لن ترى النور في المستقبل المنظور.
تجدر تهنئة ممثلي الهيئات الاقتصادية وأرباب العمل، من صناعيين وتجار وأصحاب مصارف، لأنهم وقفوا صفاً واحداً دفاعاً عن مصالحهم، في الكسب والربح وتراكم المال والثروات، بتغطية متداولة في أسواق النقيق الاقتصادي، حيث الأوضاع لا تسمح بزيادة ما دون الحد الأدنى، على الأجور والشطور والمساعدات… وحيث الصناعيون في مأزق، و«يتخوفون» من وضع المفاتيح على الطاولات، وحيث رجال الأعمال يبررون إحجامهم عن «السخاء» الضئيل، بفائض البطالة في سوق العمل.
بالفعل، هذه طبقة «جديرة بالاحترام»، لانها تدافع عن مصالحها، حتى ما بعد منتصف الليل الطويل، الذي بدد أوهام العمال والموظفين والأجراء والأساتذة وأكثرية الشعب اللبناني كذلك.
طبقة أخرى «جديرة بالاحترام»، هي الطبقة السياسية/ الطائفية، التي خاضت في الكواليس معركة التخلص من الإضراب، من عين التينة إلى القصر الجمهوري إلى السرايا… إلى الأجهزة المعنية باحصاء الأنفاس، أمناً وسياسة وأرقاما، وفازت بالاقناع الممهور بقرار مبرم، بأن الإضراب قد يفرط بموازين القوى القائم، وأن الحكومة بحاجة الى دعم وليس الى لغم، يوضع في طريقها.

طبقة سياسية تعرف كيف تدافع عن نفسها وعن مصالحها في الحكم للاستمرار فيه، أما المعارضة، فقد كانت مع مبدأ التظاهر والدعــوة إليه، فيـما هي في صف «الممانعة» لأي زيادة «تقصم ظهر الهيئات الاقتصادية».
فريقان من صنف طائفي واحد: فريق 8 آذار مع العمال والفلاحين والفقراء والموظفين والأجراء، لكنه ضد الإضراب، وقانع بفتات التقديمات التي يمكن اعتبارها، ذروة الإهانة. وفريق 14 آذار، مع الهيئات الاقتصادية، بكامل فروعها الصناعية والتجارية والمصرفية، ومع الاضراب وضد الزيادات التي ترهق اصحاب العمل.

هذا هو لبنان…
تكاذب طوائفي… وكذب ضد الناس. وللأسف، الناس، على دين كذابيها.
مسكين الاتحاد العمالي العام. لقد قام بدور الزوج المخدوع علنا. ولا تجوز التهنئة على مواقفه المخزية، وليس باستطاعة أحد الطلب منه ان يغادر المشهد ليعود إلى بيته. فلا بيت له. بيته الذي قدم منه ليس بيت العمال ولا بيت الفلاحين ولا بيت الموظفين. لقد جاءت قيادات هذا الاتحاد من بيوتها الطوائفية. فهي تمثل مَن فوقها من السياسيين والمرجعيات. لا علاقة لها بالنقابات وفق المفهوم البريطاني الكلاسيكي ولا وفق المنظور الاميركي، ولا تمت بصلة إلى القواعد اليسارية، ولا تعرف عن الماركسية شيئاً.
انها نقابات «عمالية» و«حرفية» و«مهنية»، لأصحابها من الطائفيين المالكين زمام الأمور المالية والاقتصادية والعقارية… اضافة إلى امتلاكهم أسواق النهب المنظم.
وحدهم الأغبياء وأنقياء القلوب، صدقوا رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن، وهو ينطح الشاشات بمواقفه التصعيدية، ونبرته العصبية، وتمسكه بالحد الأدنى للأجور: مليون ومئتي ألف ليرة. وحدهم الأغبياء صدّقوا ما سمعوه، ولم يدركوا ان الرجال بمواقفهم وليس بأصواتهم.
وإذا كان لنا ان نخفف اللوم عن مسؤولي النقابات اليوم، وهم يستحقون ذلك، فمرد ذلك إلى كون النقابات لم تعد ممثلة لأحد. أحياناً يقال ان عدد النقابات المسجلة، أكبر من عدد النقابيين الملتزمين. لقد قُتلت هذه النقابات، وتناوب على التمثيل بها منذ العام 1991، طوائفيون، وعقائديون، وزعماء عشائر سياسية، حتى بات الحديث عن النقابات في لبنان، لا يساوي حرفاً في سطر… نقابات الستينيات والسبعينيات، قُتلت بعيد الحرب، وبداية «السلم الطائفي».
الاستثناءات لا تشكل قاعدة. نقابات الهيئات التعليمية، لا تزال تمثل شرائح كبيرة من المعلمين (رسمي وخاص وجامعي). ولم تتحرر هذه النقابات نسبيا من «الهيمنات» الطائفية إلا مؤخراً… فلعل وعسى. لذلك، استطاعت ان تنفرد بالدعوة إلى الاضراب وتنفيذ ذلك، برغم الفوضى التي أثارتها تصريحات الليل الفائت.
 
هذا هو لبنان…
«تكاذب بناء» أبرز عناوينه، ان أسماءه لا تشبه أشخاصه، وان أحزابه لا تشبه قضاياه ولا تشبه أعضاءه، وان مؤسساته ليست له، بل هي معارة بالقوة لقوى سلبته. ومع ذلك، ورغم معرفة اللبنانيين بما آلت إليه أمورهم، فإنهم يتشبهون بمرجعيات لا تشبههم.
نعم. هذا هو لبنان المعطوب، وهذه هي قياداته.
ماذا بعد؟
لا إضراب بعد اليوم، يتصل بحقوق الناس… الزيادة التي أضيفت إلى بؤس الرواتب، سيأكلها الغلاء المدروس والمنظم. كذبة مراقبة الأسعار لا يصدقها أحد… البلد الذي اسمه لبنان، فالت على هوى أهله وطوائفه وزعمائه. لا شيء يردعه. لا أمن يهابه. لا قضاء ينصفه، الذي لا حصانة يتكئ عليها ولا شرعية، ولو كانت من أمهات النصوص القانونية. لا أموال تخصه، باستثناء حفنة الرواتب والأجور. الموازنة اختصاص أهل المال، وأصحاب النفوذ والعقود والصفقات في الصحة والعقارات والمشاريع والوزارات و«الخدمات»…
هيدا هوي لبنان.
بلد مباح لكل الممنوعات.
وعليه، لا جديد أمس. ولا جديد غداً.
وعليه كذلك، يستحق الشعب اللبناني، بأكثرياته وأقلياته الطائفية، أن يعامَل بالطريقة التي تهينه وتكذب عليه، ما دام يصفق لمن يعتلي قامته ويحدد مآلاته.
ان الطوائف المرضعة لعوامها، ليست في مأزق البتة. ازدهارها متأت من فوزها بالنصيب الأفضل. إذا شكت الطوائف مرة، فليس من نقصان، بل من عدم الفوز بنصيب أكبر. والطوائف لا مقدسات لها في لبنان. فزعماؤها ليسوا قديسين. ومناطقهم ليست منزهة عن الفساد والفجور العقاري والعيوب والخطايا. لذلك، فإن مرجعية العمال والفلاحين والاجراء والموظفين، ليست نقاباتهم، بل زعاماتهم… فإذا جاعوا أو احتاجوا أو اشتهوا فعليهم أن يقرعوا أبواب مرجعياتهم الطائفية.
فيا عمال لبنان كونوا طائفيين. 

السابق
تجمع لبنان المدني… نحو دولة الحق والقانون والمشاريع اللاطائفية
التالي
أهالي الزراعة في صور يشكون مـن مجرى “السـامر”