هاجس تجنب الشارع استولد حلاً متسرعاً

يتفق مراقبون سياسيون كثر على ان الحكومة قدمت في اول تحد حقيقي لها في ادارة الشؤون غير السياسية في البلد اداء سيئاً وغير موفق لم يكن واضحا في اي محطة سابقة حتى في مشروع الكهرباء، باعتبار ان دخول المعارضة على خط هذا المشروع ووجود معارضة من ضمن الحكومة رفعا آنذاك مستوى النقاش ومستوى الحل ايضا وساعدت الحكومة على اخراج الحل الممكن او المقبول ايضا. اما وان الحكومة تركت لحالها في مواجهة المطالب العمالية في موضوع لم يكتسب ابعادا سياسية او طائفية او اقليمية على غرار اي موضوع آخر واشاع ابرز افرقائها ان مهمتها الاساسية هي الاهتمام بشؤون الناس الاجتماعية والمعيشية، فانها لم توفق لا في الشكل ولا في المضمون. كما انها ساهمت في فشل مقاربتها معالجة المطالب العمالية، وهي قامت بذلك من دون منة المعارضة التي لم تواجه الحكومة في موضوع حرج لا يمكن ان تقف في وجهه مهما كانت الكلفة ثقيلة باعتبار ان كرة المسؤولية عن زيادة حجم الدين وتقديم الحلول وعدم ارهاق الخزينة يقع على الحكومة وافرقائها الذين دعموا طويلا المطالب العمالية حين كانوا في المعارضة ويقدمون اليوم وهم في الحكومة او يجترحون حلولا لا مخرج لها من ضمن مجموعة الازمات التي يواجهها لبنان وحده او من ضمن الازمات الاقليمية.

ويبدو ان هاجس تجنب الشارع بأي ثمن أدى الى تسرع في ايجاد الحل او استنباط حلول متسرعة غير مفهومة باعتبارها حصلت تحت الضغط، علما ان كثرا رأوا ان اضراب يوم كان افضل مما اظهرته الحكومة من عجز في مقاربة المطالب العمالية، كما كان ليكون مثيرا للاهتمام حجم الاضراب ومن سيشارك فيه ما لم تكن الحكومة محرجة من خلال اضراب مناصري الافرقاء المشاركين فيها اكثر من المعارضة. كما ان تنافس اهل البيت الواحد في الاكثرية الحالية على اقتراح الحلول ومحاولة اخراجها الى العلن كل من موقعه ادى الى اختلاط الحابل بالنابل، في حين ان الزيادة التي اقرت كانت عشوائية وغير مفهومة وفق رأي وزراء شاركوا في النقاشات التي جرت على طاولة مجلس الوزراء.  
وبالنسبة الى المعارضة التي لم تدخل فعلا على خط التجاذب من داخل الحكومة، فان الاكثرية رسبت فعلا في اول استحقاق من حيث قدرتها على ادارة شؤون الناس في ظل تساؤلات اثارها ضغط المطالب العمالية المنتسبة الى افرقاء سياسيين من ضمن الاكثرية على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى درجة دخوله مضطرا سباقا مع الوقت في موضوع الاضراب العمالي، فسار وفق التوقيت الذي تم تحديده بدلا من ان يفرض توقيته من اجل ان يتاح له ان يناقش الموضوع على البارد وبهدوء. فربح تعليق الاضراب من حيث المبدأ على رغم ان فوضى عمت النقابات والهيئات الاقتصادية وفق ما يرى مراقبون كثر، لكن الحل الذي تم اخراجه للمطالب العمالية لم يسجل مكسبا لمصلحته لان الزيادة المقطوعة تعد امرا سيئا خصوصا متى تثبت كقاعدة وما اعلن عنه لم يكن واضحا.

في حين ان ما تقدم به وزراء معنيون بالموضوع العمالي اظهر تخبطا في المقابل من خلال تحديد جديد لدور الدولة في موضوع الحد الادنى الذي ترعاه قواعد كثيرة فضلا عن ان تدخل الدولة في القطاع الخاص يتناقض والنظام والدستور معا. ولذلك كان اداء الحكومة في هذا الموضوع اشبه بترقيع عشوائي من دون سياسة واضحة او خطة مدروسة، الامر الذي يشي بعدم وجود سياسة اجتماعية واضحة او خطة بديلة يمكن ان تعمل عليها الاكثرية بل ان هناك صراعا او تجاذبا لتسجيل النقاط ليس اكثر ولا اقل. ومع ان ذلك لا يعتبر بالامر الجديد او المستغرب خصوصا في ضوء ما تقر به الحكومة في اوقات ومناسبات متفاوتة من ان هذا المشروع او ذاك كان منذ زمن الحكومة السابقة للرئيس سعد الحريري كمشروع الكهرباء مثلا او حتى حكومات ما قبلها كمشروع الموارد النفطية في البحر مثلا، الا ان هناك تصعيدا متعمدا من افرقاء في الحكومة في وجه رئيسها وفق ما يرى وزراء في الاكثرية لم يصل حدود ما كانت تصل اليه الامور في مواجهة الرئيس الحريري ابان حكومة الوحدة الوطنية بل كان نسخة مماثلة الى حد بعيد.

وليس واضحا اذا كان الامر مرتبطا بالتزامات الرئيس ميقاتي تمويل المحكمة والتي ذهب فيها بعيدا قياسا على معارضة افرقاء مؤثرين في الحكومة او ان رفضه الزيادات العمالية هي لربطها بعدم قدرة لبنان تمويل المحكمة خصوصا ان العماد ميشال عون كان طالبه بتمويل المحكمة من جيبه الخاص في حال اراد ذلك. لكن كثرا لا يفصلون بين التخبط الحكومي في هذا الموضوع والتخبط الحكومي في موضوع التمويل وفي سائر المواضيع خصوصا تلك التي تتصل بالملفات المتربطة بدمشق وما ظهر منها خصوصا في لجنة حقوق الانسان او الخرق السوري للحدود اللبنانية. 

السابق
لا للتظاهر
التالي
الانباء: تعليق الإضراب العام في لبنان..ميقاتي الرابح وعون الخاسر