موجة اكتئاب أميركية!

بعد أن أمضيتُ بعض الوقت هذا الأسبوع في كل من نيوهامبشير وآيوا، وهما الولايتان الأميركيتان اللتان تحتضنان أول سباقات الترشح لانتخابات الرئاسة لعام 2012، وبعد زيارتي لولاية ميشيغان الأسبوع الذي قبله، بدأ يتكون لديَّ إحساس بأن البلاد توجد في حالة قلق واكتئاب عميقين.
فالاقتصاد لم يتعافَ من الانهيار الذي كاد يحدث قبل ثلاث سنوات؛ ومستويات البطالة ما زالت تمثل ضعف ما كانت عليه قبل حوالى عقد من الزمن؛ وصناديق المعاشات ما زالت هي الأخرى تترنح بعد أن فقدت عشرين إلى ثلاثين في المئة من قيمتها. كما أن واحداً تقريباً من كل خمسة مالكي منازل يواجه خطر حجز منزله لعجزه عن تسديد الدَّين؛ ومعظم أميركيي الطبقة الوسطى باتوا يعملون أكثر ويكسبون أقل ولا يشعرون بالأمان بشأن مستقبلهم. وعلاوة على ذلك، فإن الهوة من حيث الدخل والثروة لم تزدد إلا اتساعاً حيث يسيطر 10 في المئة من الأميركيين على قدر أكبر من الثروة من 90 في المئة المتبقين. ومثلما قال بوب بوروساج، رئيس «الحملة من أجل مستقبل أميركا»، فإن هذه الهوة من حيث الدخل في الولايات المتحدة هي اليوم أكبر مما كانت عليه في مصر في بداية ثورة شعبها في وقت سابق من هذا العام.
وكل هذا ترك تأثيراً عميقاً على المزاج العام؛ حيث يعتقد ثمانية من أصل كل عشرة ناخبين أن البلاد تسير على الطريق الخطأ، كما أن معدلات التأييد الشعبي لأوباما تدنت وباتت اليوم في حدود 40 في المئة؛ ومعدلات التأييد الشعبي للكونغرس هي ربع ذلك، حيث يعبر 11 في المئة فقط من الجمهور عن رضاهم عن أداء الكونغرس. 
وقد لا يكون الناخبون راضين عن الرئيس وحزبه، ولكنهم أقل رضاً عن الجمهوريين. ثم إنهم عندما يُسألون حول ما إن كانوا يعتقدون أن أطفالهم سيكونون أفضل حالاً مما هم عليه اليوم، فإن ثلثي الأميركيين تقريباً يقولون «لا»، وهذا رقم صادم يشير إلى انهيار «الحلم الأميركي» الذي حفز ودعم الطبقة الوسطى على مدى أجيال.
والواقع أن حالة القلق والاكتئاب هذه هي التي ولّدت الحركات الاجتماعية المختلفة التي أحدثت انقساماً كبيراً بين الناخبين. ففي البداية، كانت ثمة حركة حفل الشاي بقيادة الجمهوريين الذين استطاعوا مؤقتاً أخذ حالة انعدام الأمان والغضب هذه وتوجيهها ضد الحكومة بصفة عامة، والرئيس بشكل خاص، من أجل الدفع بأجندة حزبهم إلى الأمام. وقد قوبل هذا اليوم على الجانب التقدمي من الطيف السياسي بحركة «احتلوا وول ستريت» المتنامية. واليوم، امتدت هذه الحركة، التي بدأت في مدينة نيويورك قبل بضعة أسابيع، إلى عشرات المدن عبر البلاد حيث انضم إليها اليوم عمال منظمون، مما منحها قوة واستمرارية.
ووسط هذه الحالة من القلق والاكتئاب والانقسام ستكون لدينا انتخابات وطنية في وقت أخذ فيه الجمهوريون يجدون أنفسهم ضحايا الحركة نفسها التي كانوا يعولون عليها لكي تجلب لهم النجاح. فبعد أن استغلوا الشعور بانعدام الأمان الذي كان سائداً بين الأميركيين البيض الذين ممن هم في منتصف أعمارهم ومن المنتمين إلى الطبقة الوسطى، وغذوا غضبهم وأطلقوهم كقوة مدمرة في 2009 وسلاح انتخابي في 2010، بدأ الجمهوريون يجدون أنفسهم اليوم ضحية ما صنعوه بأيديهم. ففي 2010 مثلًا هُزم جمهوريون محافظون معروفون في الانتخابات التمهيدية من قبل نشطاء ما يعرف بحركة حفل الشاي الذين كانوا يطالبون بالصفاء الإيديولوجي.
والآن، في 2002، يشعر الجمهوريون، من المعتدلين إلى المحافظين الذين ربما كانوا يتطلعون إلى الترشح للرئاسة، بالقلق من الحركة نفسها؛ حيث رفض حكام ولايات محترمون الترشح للانتخابات. التنافس في هذه اللحظة يركز، على ما يبدو، على الدينامية الحزبية الداخلية حيث يحاول الجمهوريون أن يغرموا بمرشح سيتعين عليهم الاتفاق عليه وانتقاؤه، في حين يحاول الديموقراطيون أن يغرموا مرة أخرى بأوباما. والواقع أن كل هذا سيحدث، في الوقت المناسب. لكن في الوقت الراهن، يشعر بعض الناخبين، في ميشيجان ونيوهامبشير وآيوا، بالغضب؛ غير أن عدداً أكبر منهم ما زالوا في حالة قلق واكتئاب عميقين، وهذا المزاج هو الذي يميز الناخبين حاليّاً. 

السابق
يوميّات الحريّة في مواجهة القتل والتعذيب
التالي
إيطاليا لـنجدة بلديات الضاحية