ما وراء أحداث ماسبيرو

عدسة الكاميرا الصغيرة تلتقط وتبث صوراً لصدامات بين محتجين أقباط وقوى الأمن المصرية، العدسة الصغيرة تسلط الضوء على أحداث عنف سياسية وأمنية وطائفية تنهك ثورة فتية لم تكتمل حلقاتها بعد.
مهما تعددت مقاطع الصور التي شاهدها العالم للصدامات في قلب القاهرة، ومهما كان مدى انتشارها فإنها تنقل صورة مؤطرة لكنها لا تعكس المشهد العام في العالم العربي والإسلامي.
سوف تنوء تطورات الأحداث والتركة الثقيلة للنظام السابق بظهر حامليها من المجلس العسكري الذي تباطأ من حيث يشعر أو لا يشعر في حركة العجلة السياسية في بلد هو في غاية الاهمية الاستراتيجية، بناء على ذلك على المجلس العسكري أن يتوقع أحداث مقبلة تشبه أحداث الأحد، وقد تتجاوزها خطورة وعنفا، سواء كان بصراع بين أتباع ديانات أو بأي شكل آخر.

الصورة الأكبر للأحداث هي خارج نطاق شبرا وماسبيرو حيث كان انطلاق الاحتجاجات وتصاعد الاشتباكات، لا بل هي خارج حدود مصر أيضاً. الصورة الأكبر تشمل محيط مصر العربي والإسلامي، وتتمثل ببروز خطوط جريئة تدعو صراحة للتمزيق والتفتيت وبث الفتن.
 
قبل أشهر اصطف المصريون مسلمون وأقباط رافعين شعار الحرية والكرامة والاستقلال الحقيقي والعدالة، وقبل أسابيع قليلة قاموا بانتفاضة استراتيجية حطموا فيها أسوار السفارة الإسرائيلية في القاهرة وكأنهم يعلنون شعبياً عن تحول بل قفزة استراتيجية في السياسة الخارجية المصرية تعجز الخارجية المصرية المثقلة بتبعات الماضي والمكبلة بكامب ديفيد القيام بها. فمن المؤسف بعد ذلك أن يتم استنزاف ولو جزء من الزخم الثوري والشعبي في صراعات وإراقة دماء بين أبناء الوطن الواحد.
قبل أعوام تصاعد الطرح الطائفي والعرقي وكل ما ينذر بالخلاف والتمزيق في المنطقة العربية والإسلامية ليس بين أتباع الديانات لا بل بين أتباع الدين الواحد والقبلة الواحدة، وزادت حدته واستعاره بالتزامن مع الثورات التي زلزلت الخارطة العربية من الخليج للمحيط. إسرائيل كعادتها كانت واضحة بإظهار نواياها وأمنياتها في تمزيق الأمة، وتأليب طائفة على أخرى وجار على جاره، وهي أعلنت مرات على لسان مسؤوليها وأخرى عن طريق خبرائها السياسيين ومستشاريها الأكاديميين أن بث الفرق العرقية والطائفية في الدول العربية والإسلامية وفيما بينها هو طوق النجاة الوحيد لاستمرار احتلالها وتسلطها واستعلائها.

مع بالغ الأسى والأسف، فمع تصاعد وتيرة الوعي الجماهيري العربي وتصاعد وتيرة المطالبات الإصلاحية السياسية، تصاعد في الوقت نفسه نعيق قنوات كثيرة للفتنة لتبث سمومها فتلوث نسمة الهواء الطلق وهي مدعومة بآلاف المواقع الالكترونية التي تهدف إلى إرسال موجات تكهرب أجواء العلاقات بين الأخوة في الوطن، أو الأخوة في الوطن والدين والدم، وتحول طاقاتهم البناءة إلى صراعات لا تخدم إلا قلة قليلة تعتاش وتنتعش على مصائب الآخرين.
لكن، الشعوب تبقى صاحبة رأي وقرار وهي وإن رأت وغضت الطرف فإنها لن تغفل طويلا عن الأيادي ذات القفازات السوداء التي تعبث بتاريخها واستقرارها وأمنها ومستقبلها، فلن تغفل طويلا عن الأيادي التي تحرك عناصر وقنوات وحتى خطباء منابر جامعة هدفهم التشتيت بدل الجمع، والهدم بدل البناء، والدعوة إلى المنكر بدل الأمر بالمعروف. 

السابق
النهار: الحكومة تواجه فوضى قرار الأجور بتثبيته وانقسام نقابي والهيئات الاقتصادية ترفض الالتزام
التالي
الراي: شركاء ميقاتي زرعوا له لغم الإضراب