لماذا نجحت صفقة حماس اسرائيل الآن؟!

شكلت الصفقة المبرمة بين حماس واسرائيل بشأن تبادل الأسرى حدثا اقليميا مفاجئا وغنيا بالدلالات والاشارات
السياسية. الصفقة نجحت بعد فشل متكرر في السابق لأن طرفيها أبديا مرونة وقدما تنازلات أآثر وضوحا من جهة
حماس التي تنازلت في مسألة عدد الأسرى المحررين وفي شأن "هوية" وأسماء الأسرى الذين رفضت اسرائيل
عودتهم الى الضفة… وبالمقابل فإن اسرائيل قابلت هذه الليونة بالموافقة على اطلاق أسرى من القدس الشرقية ومن
عرب الداخل… وبالتالي فإن السؤال عن سبب نجاح الصفقة يجر الى سؤال استطرادي ومكمل عن الأسباب التي حملت
اسرائيل وحماس على إبداء المرونة والرغبة في إتمام صفقة التبادل… هذه الأسباب يمكن اختصارها في خمس نقاط
هي:
1- المتغيّرات الناجمة عن أحداث وثورات الربيع العربي. فمن جهة اسرائيل تعاطى نتنياهو مع الوضع على أساس
أن هناك نافذة فرصة قصيرة المدى يجب اقتناصها وعدم إضاعتها متخوفا من سقوط أنظمة عربية في الشرق الأوسط
تحل محلها أنظمة أآثر تطرفا، وهو ما سيؤدي الى إسدال الستارة على الافراج عن الأسير الاسرائيلي لدى حماس جلعاد
شاليط… ومن جهة حماس فإن مرونتها بدأت قبل اشهر مع احتدام الأحداث في سوريا وبروز مخاطر أو احتمالات عدم
امكانية بقاء قيادتها في دمشق والتفكير بالانتقال على الأرجح الى القاهرة بعد استبعاد خياري "الدوحة واسطنبول"،
خصوصا وأن العلاقة بين حماس والقاهرة تحسنت بشكل ملحوظ بعد الثورة المصرية التي أطاحت نظام مبارك، وآان
هذا التحسن مضافا إليه صعود التيارات والحرآة الاسلامية من أولى نتائج الثورة وملامح مصر الجديدة…
2- "تقاطع" (موضوعي ومصلحي) بين اسرائيل وحماس على إضعاف الرئيس الفلسطيني محمود عباس
وإجهاض مفاعيل ونتائج الخطوة التي أقدم عليها بنقل ملف الدولة الفلسطينية الى الأمم المتحدة والسعي للحصول على
اعتراف دولي بها… وقد التقت اسرائيل وحماس على رفض هذه الخطوة ومن أسباب ومنطلقات مختلفة آليا آما التقتا
على إضعاف أبو مازن لغايات وأهداف مختلفة: نتنياهو يريد مفاوضا فلسطينيا ضعيفا عندما يحين أوان استئناف
المفاوضات… وحماس تريد سلطة فلسطينية ضعيفة عندما يحين أوان الانتخابات واختبار القوة الشعبية… وبعدما
أعطت جولة الأمم المتحدة دفعا لزعامة عباس ومكانته، فإن صفقة الأسرى تعزز من وضع ومكانة حماس…
3- تقاطع (من أسباب وخلفيات مختلفة) بين اسرائيل وحماس على دعم الدور المصري في هذه المرحلة الانتقالية
على المستويين المصري والعربي… فمما لا شك فيه أن هذه الصفقة تعزز دور مصر التي آان لها الفضل الأآبر في
قيادة المفاوضات وفي الوصول الى هذه النتيجة التي آان من المتعذر الوصول إليها في الماضي القريب وعلى يد النظام
السابق عندما آانت ترآيا تطمح الى دور منافس، وآانت ايران وسوريا تسعيان الى عرقلة مساعي مصر وتحجيم
دورها. فمن جهة حماس، ثمة توجه جلي الى تغيير الموقف والسياسة والعلاقة مع "مصر الجديدة" والى بناء تحالف
معها وتقوية موقعها ودورها باعتبارها مصدر دعم ومشروع تحالف للمستقبل… وأما اسرائيل، فإنها معنية بتحسين
علاقاتها مع مصر بعد سلسلة التراجعات والخيبات الأخيرة من فوضى سيناء الأمنية وشن هجمات عبرها على حدود
اسرائيل، الى تفجير أنابيب الغاز، الى الهجوم على السفارة الاسرائيلية في القاهرة وتصاعد الطلب بإلغاء معاهدة
السلام… ولما وجدت اسرائيل أن مصر مهتمة ومعنية بإنهاء "ملف شاليط" ضمن خطوات أخرى لتقوية مكانتها في
المنطقة والعالم، فإنها عملت على إنجاح الوساطة المصرية والتجاوب معها.
4- التغيير الطارئ في الموقف الأميرآي الذي آان معترضا على إتمام الصفقة في السابق من خلفية أنها ستؤدي الى
تعزيز وضع حماس في الشارع الفلسطيني وإضعاف التيار الفلسطيني المعتدل والمؤيد للمفاوضات الذي يمثله "أبو
مازن". ولكن بعد توجه الرئيس الفلسطيني الى الأمم المتحدة مخالفا رغبة واشنطن وتعليماتها، فإن ادارة أوباما سحبت
اعتراضها على الصفقة مثلما سحبت دعمها للسلطة الفلسطينية وتحولت الى سياسة عقابية ضدها بدأت بالتضييق
المالي عليها. ويمكن القول إن "صفقة الأسرى" هي تدبير عقابي انتقامي بحق الرئيس الفلسطيني وحرآة فتح شجع
عليه الأميرآيون وتحمس له الاسرائيليون واستفادت منه حماس.
5- السبب الأخير، اسرائيلي داخلي تمثل في أمرين:
الأول: التغييرات الحاصلة في رؤساء الأجهزة الأمنية طالت المعارضين البارزين للصفقة وأهمهم: يوفال
– 3 –
ديسكين، رئيس جهاز المخابرات العامة، ومئير داغان، رئيس جهاز المخابرات الخارجية (الموساد). فقد أفشلا الصفقة
في زمن حكومة إيهود أولمرت بسبب اعتراضهما على إطلاق أسرى الى الضفة الغربية، بدعوى أنهم سيعودون الى
ممارسة الارهاب.
الثاني: موقف الجيش الاسرائيلي المتحمس لاستعادة أحد عناصره وإبلاغه حكومة نتنياهو أن آل الجهود لاطلاق
سراح شاليط بالقوة العسكرية والوسائل الأمنية قد فشلت بعدما قام الجيش بجهود آبيرة للوصول الى شاليط من دون
نتيجة من خطف عدد من نشطاء حماس البارزين من قطاع غزة، وإدخال مستعربين، وزرع جواسيس وعملاء،
وممارسة الضغوط الشديدة، وفرض الحصار… 

السابق
واكيم: الحكومة ليست جادة في معالجة الازمة المعيشية
التالي
بري دعا الى عقد جلسة لانتخاب اميني السر و3 مفوضين وأعضاء اللجان النيابية