الاخبار: إقرار الزيادة للقطاع الخاص والعام مؤجل

زودة ولو طارت»… هكذا أقر مجلس وزراء بعبدا أمس الزيادة العرجاء للأجور، متجاوزاً كل الاعتراضات عليها، حتى لو طارت الوحدة النقابية، ولو تعادى العمال والموظفون وانقسموا بين فريقي ما فوق مليون و800 ألف وما دونه، ولو طارت هذه الزيادة بارتفاع الأسعار الذي سبقها

وافق مجلس الوزراء، في جلسته في بعبدا أمس، على صيغة زيادة الأجور التي أعلنها الرئيس نجيب ميقاتي أول من أمس، وطلب من وزير العمل شربل نحاس، الإسراع في إعداد مشروع المرسوم القاضي بترجمة هذه الصيغة في القطاع الخاص لإقراره في أقرب جلسة، وغاب أي حديث عن آلية منح هذه الزيادة في القطاع العام. وقد اعترض على الصيغة المقرّة الوزراء شربل نحاس، جبران باسيل، فادي عبود، شكيب قرطباوي، نقولا صحناوي وفريج صابونجيان.
وكانت الجلسة قد شهدت صخباً بين الوزراء على خلفية محاولة الرئيسين ميشال سليمان وميقاتي وعدد من الوزراء، اعتبار التفويض الذي منحته أكثرية الوزراء في جلسة أول من أمس لرئيس الحكومة بمثابة إقرار للصيغة المعلنة. إلا أن وزير العمل أصر على حفظ صلاحياته الدستورية في هذا الشأن بوصفه المعني بتقديم الاقتراحات المتعلقة بالأجور إلى مجلس الوزراء، وأصر مع الوزير باسيل على حفظ صلاحيات مجلس الوزراء بالبتّ النهائي لأي قرار يصدر عنه بالتوافق، وإلا فبالتصويت بحسب أحكام الدستور. في المقابل، ألقى الوزراء غازي العريضي وعلي حسن خليل ونقولا فتوش وفيصل كرامي وحسان دياب، مداخلات دافعوا فيها عن صلاحيات رئيس مجلس الوزراء، ما دفع رئيس الجمهورية إلى التدخل أكثر من مرة لمنع التوتر بين الوزراء.
واقترح الوزير محمد فنيش أن يقر مجلس الوزراء الصيغة التي توصل إليها ميقاتي من دون أي تعديل، كمخرج يضمن إقرارها ويحفظ صلاحيات مجلس الوزراء، فحسم سليمان الأمر بالدعوة إلى التصويت على الصيغة كما هي، مقترحاً تأليف لجنة وزارية لدرس اقتراحات وزير العمل التي تشمل إقرار مشروع التغطية الصحية الشاملة، فاعترض وزير الصحة على اقتراح مناقشة مشروع التغطية الصحية الشاملة، معتبراً ذلك تعدياً على صلاحياته.
ورد نحاس مؤكداً عدم وجود تعارض مع صلاحيات وزير الصحة، وشارحاً أن الدولة ليست مبنية على قاعدة مسطحة، بل هناك وزارات قطاعية كوزارات الصحة والاتصالات والتربية مثلاً، ووزارات ليست قطاعية وتقوم باقتراح سياسات عامة وتنفيذها، كوزارات المال والعمل والشؤون الاجتماعية، وبالتالي هناك تكامل في وظيفة كل من هذه الوزارات ضمن تركيبة الدولة.

وعندما أصرّ خليل على موقفه، حاول سليمان إنقاذ اقتراحه بتحويل اقتراحات نحاس إلى اللجنة الوزارية الدائمة للشؤون الاجتماعية، فرفض خليل أيضاً، ما أدى إلى سقوط الاقتراح.
وحاول وزراء «التغيير والإصلاح» تسويق اقتراح بعدم حسم القرار في شأن الأجور في جلسة أمس، باعتبار أن الإضراب عُلّق والأطراف المختلفة اعترضت على الصيغة، وهناك اتجاه لدى أصحاب العمل للطعن بالقرار أمام مجلس شورى الدولة، وبالتالي لا ضير من انتظار أسبوع قبل الحسم، إلا أن ميقاتي ووزراء حركة أمل أصروا على اتخاذ القرار أمس.

وهكذا ساد التوتر معظم الجلسة، وانتقل إلى بنود أخرى مطروحة على جدول الأعمال، ولا سيما عندما طرح وزير المال محمد الصفدي الإنفاق على أساس مشروع موازنة عام 2010 أو مشروع موازنة عام 2012، بذريعة أن مشروع قانون فتح الاعتمادات الاستثنائية المطروح على جلسة الهيئة العامة لمجلس النوّاب الثلاثاء المقبل قد لا يمر. وهنا اتفق الوزير خليل تماماً مع الوزير نحاس في اعتراضه على ذلك، ودارت نقاشات جانبية بين الوزير باسيل ووزراء حزب الله لتعطيل هذا الطرح؛ لأنه ينطوي على محاولة لتكريس الإنفاق خارج أحكام الدستور، ويستبطن محاولة إيجاد سبيل لإمرار تمويل المحكمة الدولية. وفي ذروة النقاش، أعلن ميقاتي أنه ليس أكيداً من أن يبدأ مجلس الوزراء بمناقشة مشروع موازنة عام 2012 في المواعيد المحددة سابقاً، أي ابتداءً من 18 الشهر الجاري، وهو ما أثار تحفظات كثيرة لدى العديد من الوزراء الذين أكدوا أن السلطة الإجرائية مقيدة بمهل دستورية لإحالة مشروع الموازنة إلى مجلس النواب. وفي ظل احتدام النقاش، سقط طرح وزير المال. 
كذلك حصل سجال ساخن على خلفية طلب الصفدي إجازة لاستبدال نحو 3 مليارات دولار من الدين القائم وإصدار سندات دين جديدة بقيمة ملياري دولار؛ إذ تبين أن الهدف من ذلك تمكين مصرف لبنان من استخدام فروقات سعر الذهب لإطفاء جزء من الدين الذي يحمله، وذلك بهدف تجميل ميزانية المصرف وحسابات المالية العامة، فسقط هذا الطلب أيضاً لعدم قانونيته، ولكونه ينطوي على محاولة لتثبيت المخالفات المالية السابقة.
وبقيت بنود كثيرة على جدول الأعمال لم يصل إليها النقاش، وهي كفيلة بإثارة سجالات أكثر سخونة، منها طلب وزارة النقل تمديد عقد إدارة السوق الحرة في مطار بيروت الدولي، بحجة أن الوقت غير كافٍ لإجراء مناقصة جديدة. كذلك طلب وزير المال بتّ النزاع القائم مع وزارة الاتصالات في شأن امتناعها عن تسديد رسوم وضرائب بقيمة 72 مليار ليرة عن شركتي ليبانسل وسيليس اللتين كانتا تستثمران شبكتي الهاتف الخلوي؛ إذ إن عقدي المصالحة مع الشركتين تضمنا أن تسدد وزارة الاتصالات الرسوم والضرائب المترتبة على التعويضات المدفوعة لهما من خزينة الدولة. وتقول وزارة الاتصالات إن مجلس الوزراء لم يقرّ هذا البند عندما عُرض عليه عقدا المصالحة في الماضي.

وكان موضوع الأجور محور خلوة بين سليمان وميقاتي قبل الجلسة، ولقاء سبق ذلك بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب الذي التقى لاحقاً في ساحة النجمة عدداً من النواب في إطار لقاء الأربعاء، وأعلن أمامهم أنه إلى جانب قرارات زيادة الأجور والنقل والمنح المدرسية، اتُّفق على تحديد مؤشر الغلاء سنوياً من الآن فصاعداً، وفي ضوء ذلك تحديد نسب غلاء المعيشة وزيادة الأجور والرواتب. وأشار أيضاً إلى أنه اتُّفق على تشكيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي بصورة عاجلة.
وتناول بري الأوضاع والتطورات الراهنة وعمل المجلس النيابي واللجان النيابية وجلسة انتخاب أميني السر والمفوضين الثلاثة وأعضاء اللجان.
في مجال آخر، وفيما كانت قوى 14 آذار تواصل إثارتها لما تسميه «الخروق السورية المتكررة للحدود اللبنانية»، وأمانتها العامة تطالب برفع الأمر إلى «كل المحافل العربية والدولية»، استقبل الرئيس السوري بشار الأسد وفداً من الحزب السوري القومي الاجتماعي برئاسة النائب أسعد حردان، وأكد أمامه أن «سوريا استطاعت بإرادة شعبها ووعيه تجاوز المرحلة الأصعب وتقوم بالاستفادة مما جرى للنهوض بالواقع السوري وجعل سوريا الدولة المتمسكة بمبادئها وعروبتها وقوميتها أنموذجاً يحتذى به في المنطقة».

وفي الموضوع السجالي الأكبر، أعلن رئيس قلم المحكمة الدولية هيرمان فون هابل لـنا، أن المحكمة لا تزال تمتلك التمويل اللازم لبقية العام الحالي، وقال إنه من خلال محادثاته مع الكثير من الشخصيات اللبنانية شعر بأن التمويل لن يكون مشكلة. وقال: «أعتقد وآمل أنهم سيدفعون قبل نهاية تشرين الأول (الحالي)». كذلك توقع التمديد لعمل المحكمة في الربيع المقبل، بصورة سلسة بقرار من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.

خطة دعم أم استخدام للبنان؟

ظهرت فجأة من قصر بعبدا أمس، خطة بريطانية ثلاثية، نقلها سفير بريطانيا توماس فليتشر إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان، مع رسالة شفوية من رئيس حكومة بلاده دافيد كاميرون تتضمن تهنئة لبنان على رئاسته مجلس الأمن الدولي، «التي تكللت بالنجاح». وهدف هذه الخطة بحسب بيان للسفارة البريطانية هو «دعم استقرار لبنان في ظل الأوقات العصيبة التي تمر بها المنطقة» عبر: أولاً: زيادة التدريب البريطاني للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي كأفضل حماية للبنان من التهديدات الخارجية. ثانياً: المساعدة في حماية القطاع المالي اللبناني من تداعيات العقوبات الدولية المتخذة ضد سوريا. ثالثاً: دعم الإصلاحات اللازمة لزيادة النمو الاقتصادي والمزيد من الاستثمارات الخارجية، بما فيه من بريطانيا في قطاع الكهرباء، وخدمة الإنترنت، وقانون التجارة.

المثير للاستغراب في الدعم الثلاثي هو ثانيه؛ فما هو المقصود به، وكيف ستساعد بريطانيا في تحقيقه؟ مصادر على اتصال مع السفارة البريطانية أوضحت أن المقصود بمساعدة لبنان في حماية القطاع المالي من تداعيات العقوبات الدولية المتخذة ضد سوريا، هو تقديم دعم فني عبر إرسال بعثات من الخبراء للتدقيق في نظم العمل والرقابة والتدقيق في مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف وإدارات المصارف المختلفة، واقتراح آليات عمل جديدة تضمن عدم تسرب الأموال إلى القطاع المصرفي من جهات مشمولة بالعقوبات على سوريا، وكذلك الإشراف على ورش تدريب للموظفين على تعقب الأموال واكتشاف مصادرها.

إلا أن مصادر أخرى عاملة في القطاع المصرفي حذرت من أن يكون الهدف البريطاني هو ممارسة نوع من الوصاية على العمل المصرفي في لبنان تحت حجة حمايته للحصول على المعلومات عن كيفية عمل هذا القطاع بالإضافة إلى المؤسسات المالية والصيارفة، وبالتالي تشديد الحصار على سوريا والضغط لإقفال كل المنافذ عبر لبنان تحت تهديد قطاعه المصرفي بعقوبات إذا تبين أن هناك ودائع سورية تمر عبره.
ولفتت هذه المصادر إلى أن الحديث عن «خطة» بريطانية يتجاوز مفهوم المساندة العادية، ولا سيما أن هذه الخطة، كما أوجزتها السفارة البريطانية، تتضمن محاولة لإقامة علاقات أوثق مع الجيش والقوى الأمنية تحت عنوان التدريب، والسعي إلى خصخصة الكهرباء والاتصالات من خلال عرض استثمارات بريطانية وأجنبية مباشرة في هذين القطاعين الحيويين.
وما يؤكد جدية العرض البريطاني، أن الأمر لن يقتصر على نقل فليتشر للخطة إلى بعبدا، وإنما بحسب بيان السفارة فإنه «عملاً بهذا البرنامج (الخطة) سيكون هناك المزيد من الزيارات الرفيعة المستوى وتواصل بين لندن وبيروت في الأسابيع المقبلة». مع ختم البيان بأن «السفير ورئيس الجمهورية بحثا التطورات الإقليمية وأهمية التزام كل البلدان قرارات مجلس الأمن الدولي، بما فيها 242، 425، 1757». 

السابق
الجمهورية: مجلس الوزراء يتمسك بـأفضل الممكن.. لكن الاضراب التربوي مستمر
التالي
الحياة: زيادة الأجور لا ترضي العمال ولا أصحاب العمل