هل استعاد الأسد سيطرته لرفض تمويل المحكمة

يعطي معارضو تمويل المحكمة الدولية فترة ثلاثة أشهر من اجل ايجاد مخرج للحكومة لعدم التمويل، ويعطي مؤيدو النظام السوري ثلاثة اشهر ايضا من اجل ان يُحكم الرئيس بشار الاسد قبضته على النظام.
والى نهاية السنة، تصبح الاشهر المقبلة بمثابة فترة انتقالية للبلدين اللذين تحكمهما وحدة المصير والمسار اكثر من اي وقت، بحسب قراءة سياسية لبنانية تميل الى الاعتقاد ان الاسد بدأ يخرج من الطوق المفروض عليه، بخلاف اجواء اميركية ينقلها زوار العاصمة الاميركية عن استمرار النقاش في الاسلوب الامثل للتعامل مع الاسد، وعما اذا كان الافضل ترك اوضاع سوريا واليمن تنحو اكثر نحو الانهيار قبل اتخاذ قرار المعالجة، والانصراف الى ترتيب اوضاع شمال افريقيا، او التعجيل في تطبيق الحسم الاميركي تجاه النظامين، وكذلك بخلاف ما ينقله سوريون معارضون نافذون اكدوا ان الانتفاضة لن تستكين، لان اي تهاون في التظاهرات او تراجع في وتيرتها، سيجعل النظام السوري يرتد بقسوة وشدة اكثر على المعارضين. فالمعركة اليوم هي مرحلة "عض اصابع" ورهان على من يكسب الوقت اكثر، ما دامت المناطق السورية فرزت نفسها واصبحت مناطق التماس فيها بمثابة مناطق حكم ذاتي، وما دامت شوكة الرهبة من النظام انكسرت الى غير رجعة.

اما في القراءة اللبنانية المستندة الى معلومات ديبلوماسية ولبنانية، فان الاسد يحكم قبضته تدريجا على الوضع الداخلي ولا سيما بعد الضربة الاساسية التي وجهها الى المتظاهرين في شهر رمضان الذي كان يعتقد فيه معارضو النظام انهم سيحققون خلاله انتصارهم الحاسم. ويرى هؤلاء ان الاسد يستفيد من المجموعة العسكرية المقربة والنواة الاساسية في الجيش السوري، اضافة الى تيقنه يوما بعد آخر، ان لا سند حقيقيا عربيا يمكن ان يشكل بيضة القبان في ترجيح كفة المعارضة، لا من جهة السعودية المنصرفة الى ترتيب اوضاعها، ولم تتمكن من دعم حليفها الرئيسي في بيروت، والتي لم ترسل اموالا كافية لدعم المتظاهرين أسوة بما فعلته مع الرئيس سعد الحريري في لبنان، ولا من جهة مصر الغارقة في الفوضى العارمة، والتي اثبتت الاحداث الطائفية الاخيرة صحة ما حذر منه الاسد من جنوح نحو التطرف والاصولية. اما تركيا فقد ظهر جليا انها "نمر من ورق"، ولم يتمكن رئيس وزرائها رجب طيب اردوغان الا من حشد صور اعلامية ليس اكثر. في حين ان ايران هي الاكثر ثباتا في مقارعتها التدخلات الخارجية. وحدها قطر لا تزال تثير لدى الاسد الريبة من امكان القيام بخطوة سياسية فاعلة دوليا وخليجيا.
 
يستند مؤيدو هذه الرؤية الى ان واشنطن التي تفرّجت على سقوط المعارضة الايرانية في عز صعودها، وعلى سقوط حكومة الرئيس سعد الحريري، غارقة كما اوروبا في الازمة الاقتصادية، وفي انقسامات الرأي حيال معالجة أزمات الشرق الاوسط. ويذكّر هؤلاء بما سبق للبنان ان خبره مع الاميركيين عشية الاحتفال بـ 14 آذار، حين كانت الادارة الاميركية وسفيرها آنذاك في لبنان يتحدث عن انسحاب سوري الى البقاع من دون الذهاب بعيدا في دعم "ثورة الارز" المطالبة بالانسحاب السوري الكامل.
وهذا يعني وفقا لما سبق ان الوقت سيكون متاحا للاسد لاستكمال ضرباته النوعية، فهو دخل حماه، حين قيل انه لا يمكنه ان يدخلها بعد اجتياح الثمانينات، وتمكّن من عزل المناطق الحساسة، واحكم سيطرته على الحدود التي يمكن ان يتم تهريب السلاح والمسلحين عبرها.

كيف ينعكس ما سبق على لبنان؟
اصحاب هذه القراءة يعتقدون ان دمشق التي بدأت تستعيد توازنها دوليا بعد دعم بعض الدول لها وعلى رأسها روسيا والصين، ستكون اكثر حسما في تعاملها مع الوضع اللبناني. وهذا ما اتخذ مظهرا له، في اعادة التصويب على تمويل المحكمة الدولية، بعدما ترك المجال للاخذ والرد حول اصرار رئيس الوزراء نجيب ميقاتي عليه في المحافل الدولية. ويبدي هؤلاء تخوفا من ان سوريا التي ارتدت على لبنان بعد خروجها منه، في وقت لم تكن تعاني أي ازمة داخلية، ستكون اكثر تشددا اذا تمكنت من الخروج منتصرة بعد حسمها العسكري، خلافا لكل الانظمة التي سقطت بفعل التظاهرات، سياسيا وامنيا ولا سيما في المناطق الشمالية والبقاعية المحاذية. ولهذا السبب بدأ يظهر التشدد في معالجة اوضاع الحكومة وترتيب الخلافات الداخلية بما يضمن التفرغ لمعالجة الاستحقاق الاهم، المتمثل بتمويل المحكمة وصولا الى فتح ملف قانونية المحكمة وشرعية الاتفاق المعمول به والتي انشئت بموجبه.

ويبدي هؤلاء تخوفا من ان لا يقابل الارتداد السوري في لبنان بما سبق ان قوبل به عام 2005، في وقت تبدو المعارضة مشتتة، ولا يجمعها سوى عنوان المحكمة، من دون ادارة جامعة. ولدى هؤلاء سلسلة ملاحظات على اداء المعارضة، حتى وان غاب رئيسها سعد الحريري لاسباب امنية خارج البلاد. الا ان ثمة تخبطا سياسيا واعلاميا تعيشه هذه القوى، الامر الذي لا يمكنها من مواجهة جدية لأي من الاحتمالات التي يطرحها السيناريو السابق. فلا يكفي ان تستظل المعارضة مواقف الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير لتوحيد جهودها. فالاستحقاق الآتي يستلزم عدة شغل سياسية ومالية واعلامية متكاملة، بغض النظر عن الموجبات الامنية، ولقاءات السعودية او باريس وحدها ، او حتى محاولات استنهاض الناس في الشمال، لا تكفي وحدها لادارة معركة بهذا الحجم.  

السابق
الاعتراف بعضوية فلسطين
التالي
تشغيل مستشفى حاصبيا نهاية الشهر الجاري