مشهدان في الحكومة أَم توزيع أدوار؟

هل باتت الحكومة أمام مفترق طرق، أو أمام مشهدين متناقضين يشوبهما الغموض والضبابية؟ تساؤل تبرّره المواقف والتصريحات المتناقضة لرئيسها نجيب ميقاتي، كما لدى حلفائه البارزين الممسكين بزمام الأكثرية في مجلس الوزراء، كما في مجلس النوّاب. ومع احتدام السجال حول المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والذي تحوّل إلى عنوان فضفاض يخفي وراءه التباين في المقاربة للوضع في سوريا وللاصطفاف الدولي ضدّ النظام السوري الحالي، فإنّ تقارير ديبلوماسية غربية كشفت عن وجود تحوّلات في صورة الحكومة الحاليّة بعد بروز دلالات وإشارات مبطّنة من قبل رئيسها و"حزب الله" و"التيّار العونيّ" والنائب وليد جنبلاط، تتناقض بشكل شبه كُلّي، وتوحي بانقسام، أو على الأقلّ، باحتمال حصول شرخ على مستوى القرار السياسيّ للحكومة التي كانت حتى فترة غير قصيرة "منسجمة" في الرؤيا إزاء الملفّات الإقليميّة، كما المحلّية، وذلك على الرغم من أصوات الاعتراض المحدودة وغير الفاعلة التي أطلقت سواء لدى احتدام الجدل حول خطة الكهرباء، أو لدى مناقشة التعيينات الإدارية، أو لدى مواجهة المجتمع الدوليّ عبر مجلس الأمن خلال طرح قرار دوليّ يدين النظام السوريّ، والذي امتنع لبنان عن التصويت عليه لكنّه لم يعارضه.

وتشير التقارير إلى أنّ الإعلان المتكرّر لأكثر من فريق سياسيّ داخل الأكثرية حول مسألة محوريّة اليوم هي تمويل المحكمة الدولية، والتزام لبنان بدفع حصّته الماليّة على رغم كلّ المحاذير، يطرح تساؤلات حول قدرة رئيس الحكومة على تأمين "إجماع" حكوميّ لإقرار التمويل في ضوء الرفض القاطع من "حزب الله" والعماد ميشال عون لهذا الأمر، وبالتالي فإنّ حرص الرئيس ميقاتي على التواصل بشكل حثيث وشبه يوميّ ومنذ زيارته الأخيرة إلى نيويورك على تناول القضيّة في لقاءاته الديبلوماسية، كما عبر تصاريحه السياسية، يعكس، وبحسب التقارير، رغبة واضحة في إظهار مشهدين داخل حكومته، وفي نزع صفة حكومة اللون الواحد، وهو لون "حزب الله" عنها، وذلك استباقاً لأيّ موقف دوليّ مرتقَب فيما لو وصلت قضيّة التمويل إلى حائط مسدود، وهو ما تدلّ عليه المعطيات حتى الساعة.

وفي حين يؤكّد زوّار السراي الحكومي أنّ الرئيس ميقاتي يحترم تعهّداته ويكرّر وعوده بالالتزام بكافّة قرارات الشرعية الدولية ويرفض أيّ حصار أو تطويق لحكومته تحت أيّ ذريعة أو عنوان، فإنّ التقارير نفسها تشير إلى قناعة بدأت تترسّخ لدى سفراء غربيّين وممثّلي عواصم القرار في بيروت، بأنّ القرار السياسي للحكومة ليس منحازاً "كلّياً" للأكثرية الحاليّة، بل إنّ رئيسها يتمتّع بهامش من الحرّية على صعيد الملفّات الهامّة. وما يعزّز هذه القناعة أنّ النائب وليد جنبلاط المتمايز في قراءته للوضع في سوريا عن حلفائه في الأكثرية، يعبّر عن تنوّع داخل مجلس الوزراء، ويؤشّر إلى احتمال أن تكون قوى أخرى، وربّما رئيس الحكومة، تشاطره في تمايزه هذا، وذلك بصرف النظر عن المناخات السياسيّة السائدة.

ولكن هذه المعطيات لا تجزم بحصول تحوّل نوعيّ في الموقف الدوليّ إزاء حكومة ميقاتي، حيث لفتت التقارير الديبلوماسية، إلى الترجمة الفعلية للتنوّع السياسي من خلال قرارات تتماهى مع القرارات الدولية وتتّخذ طابع الاعتدال وليس التطرّف، خصوصاً بالنسبة للقضايا الإقليمية، وسيكون قرار تمويل المحكمة المؤشّر الأكيد على وجود تنوّع سياسيّ فعلي في الحكومة الحاليّة، وعلى قدرة الفريق المتمايز على فرض توجّهاته وقراراته على الرغم من الحملات القاسية التي تُشَنّ عليه يوميّاً من قبل أركان الأكثرية. وفي حال فشلت هذه الترجمة للأقوال إلى أفعال، فإنّ سيناريو التنوّع السياسي لن يكون سوى واجهة لعملية توزيع أدوار بشكل متقن ومدروس!  

السابق
الفتنة تقتحم على الثورة
التالي
إتحاد كلّ الأوهام