الاخبار: الاتحاد العمّالي يخون قاعدته والمعلّمون مضربون: زيادة مهينة

كل أجير يتقاضى أجراً يتجاوز مليوناً و800 ألف ليرة شهرياً لن ينال أي زيادة على أجره. هذا ما تمخّضت عنه مفاوضات ربع الساعة الأخير، إذ أبلغ رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي كلاً من قيادة الاتحاد العمالي العام والهيئات الاقتصادية أنه قرر رفع الحدّ الأدنى للأجور إلى 700 ألف ليرة، وزيادة 200 ألف ليرة مقطوعة على الأجر دون مليون ليرة، وزيادة 300 ألف ليرة على الأجر الذي يتراوح ما بين مليون ومليون و800 ألف ليرة، فضلاً عن رفع بدل النقل إلى 10 آلاف ليرة يومياً والمنحة التعليمية إلى مليون ونصف مليون سنوياً!

وفى رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي بالوعد الذي قطعه لرئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي: لا إضراب للعمّال والموظّفين اليوم. في المقابل ردّت أكثرية مجلس الوزراء الجميل: لا تغطية صحيّة شاملة وإلزامية لجميع اللبنانيين مموّلة من ضرائب جديدة على الريوع… جرى إسقاط مقاربة وزير العمل شربل نحّاس التي رفعها في تقرير يتضمن خلاصات أعمال لجنة مؤشّر غلاء المعيشة، فانتهت الجلسة الطويلة عند العاشرة والربع من ليل أمس بتفويض الرئيس ميقاتي نسج التسوية الأخيرة مع ممثلي هيئات أصحاب العمل وقيادة الاتحاد العمّالي العام وإعلانها قبل منتصف الليل، فاعترض 5 وزراء من تكتل التغيير والإصلاح هم إلى الوزير نحّاس

، وزير الطاقة والمياه جبران باسيل، وزير العدل شكيب قرطباوي، وزير السياحة فادي عبّود ووزير الصناعة فريج صابونجيان، إذ أصرّ هؤلاء على رفض أي «صفقة» في مجال الأجور لا تأخذ في الحسبان مشروع التغطية الصحية الشاملة وفرض الضريبة على الربح العقاري لتمويل هذا المشروع وزيادة الاستثمارات العامّة في مجالات الخدمات الاساسية التي ترتّب أكلافاً باهظة على مداخيل الأسر وعناصر الإنتاج، فضلاً عن تصحيح الأجور وفقاً للشطور وبنسب مرضية.
كان ممثّلو أصحاب العمل مستنفرين في السرايا الحكومية، وبقي الرئيس ميقاتي، طيلة ساعتين ونصف الساعة من الجزء الأخير من جلسة مجلس الوزراء، يتنقّل بين قاعة الجلسة والقاعة التي يجلس فيها هؤلاء، إلا أنه لم ينجح في إقناعهم بالصيغة التي أعلنها وزير الإعلام لاحقاً، وهي تتضمن:
ــــ رفع الحدّ الأدنى للأجور إلى 700 ألف ليرة شهرياً.
ــــ يضاف على الأجر الذي يقل عن مليون ليرة مبلغ مقطوع بقيمة 200 ألف ليرة.
ــــ يضاف على الأجر الذي يتراوح ما بين مليون ومليون و800 ألف ليرة مبلغ مقطوع بقيمة 300 ألف ليرة.
ــــ زيادة بدل النقل بقيمة ألفي ليرة عن كل يوم عمل فعلي.
ــــ زيادة المنحة التعليمية إلى مليون و500 ألف ليرة سنوياً عن ولدين حدّاً أقصى.
أعلن ممثلو الهيئات الاقتصادية أنهم سيعقدون اجتماعاً اليوم لإعلان رفضهم واعتراضهم على هذه الصيغة، متمسكين بما وافقوا عليه نهار أمس، أي زيادة 200 الف ليرة على الأجر الذي يقل عن مليون ليرة، وزيادة 100 ألف ليرة فقط على الأجر الذي يتراوح بين مليون ومليون و500 ألف ليرة. 
في هذا الوقت، كانت قيادة الاتحاد العمالي العام متجمّعة في مقر الاتحاد، وهي على اتصال دائم ومباشر مع وزير الصحّة علي حسن خليل المفوّض من قبلها بحسم الصيغة التي تسمح بتعليق الإضراب، إلا أنها لم تنجح في الحصول على أي مكسب جدّي يحفظ ماء الوجه، فانصاعت لضغوط حركة أمل وحزب الله، وأعلنت في منتصف الليل، على الرغم من معارضة نقابيي الحزب الشيوعي والتيار الوطني الحر، تعليق إضراب لم يكن سيحصل أصلاً، بحسب المؤشّرات التي ظهرت منذ أيام عدّة، ولا سيما بعد الاجتماع الشهير بين الرئيسين بري وميقاتي قبل 3 أيام… وخانت كعادتها شريكتها في الإضراب «هيئة تنسيق روابط الأساتذة والمعلمين والموظفين في القطاع العام ونقابة المعلمين في المدارس الخاصة»، فأعلنت الأخيرة رفضها «الصيغة المطروحة»، وقررت المضي في تنفيذ الإضراب اليوم في القطاع التعليمي حصراً، وذلك للإصرار على سلّة المطالب التي رفعتها، وكردّ فعل أوّلي على خيانة قيادة الاتحاد العمالي للاتفاق المبرم بينهما، والقاضي بعدم اتخاذ أي طرف منهما قراراً منفرداً يتصل بمصير المطالب والإضراب من دون التشاور مع الطرف الآخر، ولا سيما أن أي إضراب يدعو اليه الاتحاد العمالي يرتكز عادة على استجابة القطاع التعليمي والقطاع العام وقطاع المصارف لكي يكون له وزن ضاغط.

وكانت جلسة مجلس الوزراء قد شهدت سجالات حامية في شأن المقاربات المطروحة لتصحيح الأجور، إلا أن الهاجس الأمني طغى على ما عداه، وهو ما أقرّ به أحد وزراء حركة أمل، إذ رأى أن ما صدر في شأن تصحيح الأجور لا يمثّل حلّاً، إلا أن إلغاء الإضراب كان ضرورياً لأسباب سياسية. فالتقارير الأمنية كانت تشير إلى حملات تحريض تحصل في طرابلس وعكّار وصيدا، وهذا الأمر لا يمكن حركة أمل وحزب الله السماح به في هذه الظروف الحسّاسة، علماً بأن وزير الأشغال العامّة والنقل غازي العريضي قال في الجلسة ما هو أكثر من ذلك، إذ رأى أن المعارضة لم تمتلك الذكاء الكافي لكي تهلك هذه الحكومة على إدارتها السيئة لملف تصحيح الأجور، فيما وزراء تكتل التغيير والإصلاح ضغطوا لكي يتبنّى مجلس الوزراء مقاربة نحّاس، على أن يجري في مهلة أسبوع تحديد نسب تصحيح الأجور ومهل تطبيق البنود الأخرى الواردة في المقاربة. إلا أن الرئيس ميقاتي ووزراء أمل وحزب الله أصرّوا على اتخاذ القرار بذريعة أن هناك أموراً مستعجلة وداهمة تستدعي ذلك، أي الإضراب وزيادة الأجور، وأن هناك أموراً أخرى تثير خلافات لا يمكن تجاوزها بسهولة، أي مشروع التغطية الصحية الشاملة وتصحيح النظام الضريبي.

وحده الرئيس ميقاتي اعتبر ما توصّل إليه يمثّل حلّاً مقبولاً، معترفاً بأن الهيئات الاقتصادية وقيادة الاتحاد العمّالي معترضتان عليه، إلا أنه حلّ يحفظ مصالح البلد، برأيه، ويأخذ في الحسبان المحافظة على التنافسية ومستوى معيّن من التضخّم وقدرة الدولة على تحمّل زيادة الأجور في القطاع العام، ملمّحاً في المقابل إلى احتمال التراجع عن زيادة الضريبة على القيمة المضافة في مشروع موازنة عام 2012، إذ قال «نحن غير مصرّين على أي نوع من الضرائب».
وجاءت صيغة ميقاتي بعد سقوط الصيغة النهارية التي وضعها الرئيس بري نتيجة الالتباس الذي حملته، إذ تضمنت زيادة على الأجر بقيمة 200 ألف ليرة على الأجر حتى مليون ليرة، و150 ألف ليرة للأجر بين مليون ومليون و500 ألف ليرة، و100 ألف ليرة للأجر فوق مليون و500 ألف ليرة، ففهمتها الهيئات الاقتصادية باعتبارها زيادة مقطوعة بحسب قيمة الأجر، بمعنى أن من يبلغ راتبه فوق مليون و500 ألف ليرة لن ينل إلا زيادة بقيمة 100 ألف ليرة، فيما فهمتها قيادة الاتحاد العمالي العام باعتبارها زيادة تراكمية على شطور الأجر ضمن حدّ أقصى للزيادة لا يتجاوز 450 ألف ليرة… لقد دبّ خلاف بين الطرفين ليتبيّن لاحقاً أن الرئيس بري اتفق مع كل طرف على الصيغة التي فهمها بها.

وكانت قيادة الاتحاد العمالي قد رفعت سقف التوقّعات كثيراً عندما طالبت برفع الحدّ الادنى للأجور إلى مليون و250 الف ليرة، وتصحيح الأجور وفقاً للشطور وبنسب توازي معدّلات ارتفاع الاسعار المتراكمة منذ آخر تصحيح فعلي للأجر حصل في عام 1996، علماً بأن قيادة الاتحاد تلقّت تعليمات سياسية بمقاطعة أعمال لجنة المؤشّر بعد أن طرح الوزير شربل نحّاس مقاربته فيها، التي تنطوي على ضمّ بدلات النقل والمنح التعليمية إلى الأجر الاسمي (بعد تدويرهما إلى مبلغ 250 ألف ليرة)، وتصحيح الأجور بعد الضم بنسبة 20% مع حدّ أقصى للزيادة بقيمة مليون و500 الف ليرة، على أن يبدأ في عام 2012 تطبيق مشروع التغطية الصحّية الشاملة المموّل بضريبة الربح العقاري، ما يسمح بإلغاء الاشتراكات المترتّبة على الأجراء (2%) وأصحاب العمل (7%) لمصلحة ضمان المرض والأمومة، ويسمح بالتالي بضم قيمة هذه الاشتراكات إلى الأجر المدفوع، ما يعني ان وزن تصحيح الأجور سيبلغ نحو 30% وسطياً على مرحلتين، فضلاً عن أن تطبيق هذا المشروع يؤدّي إلى شمول فئات اجتماعية لا يطالها تصحيح الأجور بتقديمات صحّية تخفف من كلفة معيشتها، كما يؤدّي إلى إلغاء جزء مهم من الضريبة المفروضة على العمل، ما يشجّع المؤسسات على زيادة عرض الوظائف النظامية، ولا سيما أن مقاربة نحّاس تنطوي أيضاً على منح المؤسسات حوافز ضريبية وإعفاءات وقروض مدعومة مربوطة بتوفير فرص عمل للباحثين عنها لأول مرّة، بهدف زيادة الإنتاجية والحدّ من هجرة الكفاءات، كما تنطوي على استخدام سلاح الرسوم على إجازات عمل الأجانب لإعادة التوازن إلى سوق العمل وحصّة الأجور من القيمة المضافة. 

السابق
مشيمش عند فرع المعلومات
التالي
الجمهورية: العمّال تحفظوا والاقتصاديون يحددون الموقف اليوم الإضراب يتحوّل الى الجامعات والمدارس